بِالذِّكْرِ عَلَى مَا حُكِمَ فِيهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِيمَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَا لِلْعُمُومِ، وَأَطَالَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ.
قَالَ: فَلَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي قَلِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَثِيرِهِمَا، بَلْ مَقْصُودُ الْآيَةِ الْوَعِيدُ لِتَارِكِ الزَّكَاةِ، وَكَذَا لَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] فِي بَيَانِ مَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا لَا يَحِلُّ، وَلَكِنْ فِيهَا بَيَانُ أَنَّ الْفَرْجَ لَا يَجِبُ حِفْظُهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ إذَا اُحْتِيجَ إلَى تَفْصِيلِ مَا لَا يَحِلُّ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ صُيِّرَ فِيهِ إلَى مَا قُصِدَ تَفْصِيلُهُ، مِثْلُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] وَنَحْوُهُ.
قَالَ: وَمَنْ ضَبَطَ هَذَا الْبَابَ أَفَادَهُ عِلْمًا كَثِيرًا، وَاسْتَرَاحَ مَنْ لَا يُرَتِّبُ الْخِطَابَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَا يَضَعُهُ مَوْضِعَهُ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ " فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ، وَعِبَارَتُهُ: قُلْنَا: الْآيَةُ إذَا سِيقَتْ لِبَيَانِ مَقْصُودٍ، فَإِنَّمَا يُوجَبُ التَّعْمِيمُ فِي مَحَلِّ الْمَقْصُودِ، فَأَمَّا فِي مَحَلِّ غَيْرِ الْمَقْصُودِ وَالْغَرَضِ بِالْخِطَابِ فَلَا يُقْصَدُ بِالْخِطَابِ، بَلْ يُعْرَضُ عَنْهُ صَفْحًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ اهـ.
وَالثَّانِي: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَامٌّ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَصْدِ الْعُمُومِ وَالذَّمِّ، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ: إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي " التَّقْرِيبِ ": إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ "، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ": إنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَذْهَبَ الشَّافِعِيَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ صِحَّةُ ادِّعَاءِ الْعُمُومِ فِيهِ حَتَّى لَا يُعَارِضَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute