للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيُّ هُنَا لِمُعَارِضٍ آخَرَ، لَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مَسُوقًا لِغَيْرِهِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ عُمُومٌ آخَرُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْمَدْحُ أَوْ الذَّمُّ، فَإِنْ عَارَضَهُ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لِذَلِكَ، فَيَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ، وَيُقْصَرُ مَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ عَلَيْهِمَا. هَكَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فِي كِتَابِ " التَّحْصِيلِ " وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ لَكِنْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السُّهَيْلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّهُ يُوقَفُ هَذَانِ الْعَامَّانِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ كَالْمُتَعَارَضِينَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَمِثَالُ الْمَسْأَلَةِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] فَإِنَّهَا سِيقَتْ لِبَيَانِ أَعْيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ دُونَ الْعَدَدِ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] فَإِنَّهُ سِيقَ لِلْعَدَدِ، وَهُوَ يَعُمُّ الْأُخْتَ وَغَيْرَهَا، فَيُقْضَى بِتِلْكَ لِأَنَّهَا مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ الْمُحَرَّمِ، وَكَذَا يُقْضَى بِهَا عَلَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] مَعَ قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] فَالْأُولَى سِيقَتْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، فَقُدِّمَ عَلَى مَا سِيَاقُهَا لِلْمَدْحِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣] إذَا قَدَّرْنَا دُخُولَ الشَّعْرِ فِيهَا قُدِّمَ عَلَى قَوْلِهِ: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} [النحل: ٨٠] . وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِمَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ، بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا سِيقَ لِغَرَضٍ، كَمَا سَبَقَ مِنْ نَحْوِ (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ) وَغَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>