وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ، لِأَنَّ عُدُولَ الْمُجِيبِ عَنْ الْخَاصِّ الْمَسْئُولِ عَنْهُ إلَى الْعَامِّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ. وَوُرُودَهُ عَلَى السَّبَبِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ عِنْدَ وُرُودِ السَّبَبِ: بَيَانُ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " أَنَّ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ يُسْنِدُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ.
وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَالْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ.
وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعُمُومَ لَهُ حُكْمٌ، إلَّا أَنْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ، وَالدَّلِيلُ قَدْ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ دَلَالَةٌ يَعْقِلُ بِهَا الْمُخَاطَبُ أَنَّ جَوَابَهُ الْعَامَّ يُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَا أُجِيبَ عَنْهُ أَوْ عَلَى جِنْسِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ عُمُومُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا يَخْلُو أَكْثَرُهَا عَنْ سَبَبٍ وَأَمْرٍ يَحْدُثُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى الْحُكْمِ كَيْفَ مَوْرِدُهُ، فَإِنْ وَرَدَ عَامًّا لَمْ يُخَصَّ إلَّا بِدَلِيلٍ وَإِنْ وَرَدَ مُطْلَقًا لَمْ يُقَيَّدْ إلَّا بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَقَدِّمَةٌ، وَالْأَحْكَامَ بَعْدَهَا فَقَدْ يُنَظِّمُهَا مَعَ تَقَدُّمِهَا، كَمَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا يَخْلُو أَكْثَرُهَا مِنْ أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَى غَيْرِ أَوَّلِهَا أَوْ فَمِهَا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ بِالْخِطَابِ عَلَى الْعَيْنِ. هَذَا كَلَامُهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ: ذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّفْظِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ نَصًّا: وَالْأَسْبَابُ لَا تَصْنَعُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْأَلْفَاظِ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute