عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْخِطَابِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَدَاهُ، وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ كَانَ دَاخِلًا فِي الْخِطَابِ، فَخَرَجَ عَنْهُ بِدَلِيلٍ، وَإِلَّا لَكَانَ نَسْخًا، وَلَمْ يَكُنْ تَخْصِيصًا، فَإِنَّ الْفَارِقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَالتَّخْصِيصَ بَيَانُ مَا قُصِدَ لَهُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ.
وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّ الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ، أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ قَدْ أَرَادَ بَعْضَ مَا وُضِعَ لَهُ دُونَ بَعْضٍ، وَذَلِكَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْخُصُوصِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْأَصْلِ لِلْخُصُوصِ، وَإِرَادَةُ الْبَعْضِ لَا تُصَيِّرُهُ مَوْضُوعًا فِي الْأَصْلِ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَكَانَ الْعَامُّ خَاصًّا، وَهُوَ مُتَنَافٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ خَاصًّا بِالْقَصْدِ كَالْأَمْرِ يَصِيرُ أَمْرًا بِالطَّلَبِ وَالِاسْتِدْعَاءِ. انْتَهَى.
وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَوْ قَدْ خُصَّ، لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ يَقُولُونَ: هُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَإِنْ أُرِيدَ الْبَعْضُ فَقَدْ تَجَوَّزَ بِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَوَضْعِهِ، فَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْوَضْعِ، وَلَمْ يُغَيِّرْ حَتَّى يُقَالَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِذَنْ هَذَا اللَّفْظُ مُؤَوَّلٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ وَضْعَهُ لِلْعُمُومِ، وَاسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ وَضْعِهِ مَجَازًا فَهُوَ عَامٌّ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ بِالْوَضْعِ، وَخَاصٌّ بِالْإِرَادَةِ أَوْ التَّجَوُّزِ إذْ قُصِدَ بِهِ بَعْضُ مَدْلُولِهِ، وَإِلَّا فَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ بِالْوَضْعِ لَا يَنْقَلِبُ عَنْ وَضْعِهِ بِالْإِرَادَةِ، قَالَا: وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ، لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ مُحَالٌ، بَلْ هُوَ عَلَامَةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْعَامُّ بِالْوَضْعِ، أَوْ الصَّالِحُ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ الْخُصُوصَ. فَيُقَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ: إنَّهُ خَصَّصَ الْعُمُومَ أَيْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ.
قَالَ الْقَاضِي: وَأَمَّا عِنْدَنَا يَعْنِي الْوَاقِفِيَّةَ الْمُنْكِرِينَ لِلصِّيَغِ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْعَامِّ، وَلَكِنَّهُ بَيَانٌ مُشْتَرَكٌ، وَيَحْتَمِلُ مِنْ اللَّفْظِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute