للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنَّ التَّخْصِيصَ يَتَنَاوَلُ الْأَزْمَانَ وَالْأَعْيَانَ وَالْأَحْوَالَ بِخِلَافِ النَّسْخِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْأَزْمَانَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْأَعْيَانَ وَالْأَزْمَانَ لَيْسَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالنَّسْخُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، وَالتَّخْصِيصُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.

الثَّالِثُ: التَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ النَّسْخِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ. وَعَلَى هَذَا فَالنَّسْخُ أَعَمُّ، قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ. لَكِنْ اخْتَارَ إمَامُهُ خِلَافَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: النَّسْخُ لَا مَعْنَى بِهِ إلَّا تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ " النَّسْخِ " فَقَالَ: صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ بِأَنَّ النَّسْخَ تَخْصِيصٌ فِي الزَّمَانِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ.

الرَّابِعُ: وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ تَقْلِيلٌ، وَالنَّسْخَ تَبْدِيلٌ. وَقَالَ: هَذَا لَفْظٌ جَمِيلٌ، وَلَكِنْ رِيعُهُ قَلِيلٌ، وَمَعْنَاهُ مُسْتَحِيلٌ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَبْدِيلٌ، وَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: ١٨١]

الْخَامِسُ: أَنَّ النَّسْخَ يَتَطَرَّقُ إلَى كُلِّ حُكْمٍ، سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِمَأْمُورٍ وَاحِدٍ، وَالنَّسْخَ يَدْخُلُ فِيهِ.

السَّادِسُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ يُبْقِي دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَا بَقِيَ تَحْتَهُ حَقِيقَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>