للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ فِي " شَرْحِ الْإِمَامِ ": يَجِبُ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِنَا: هَذَا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا: هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ، فَإِنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا أَرَادَ بِاللَّفْظِ أَوَّلًا مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْعُمُومِ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ كَانَ عَامًّا مَخْصُوصًا، وَلَمْ يَكُنْ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. ثُمَّ يُقَالُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي أُخْرِجَ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ إذَا قَصَدَ الْعُمُومَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقْصِدَ الْخُصُوصَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَطَقَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ مُرِيدًا بِهِ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ فِي هَذَا. وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَعْضًا مُعَيَّنًا فَهُوَ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. وَإِنْ أَرَادَ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ بَعْضٍ مِنْهُ فَهُوَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ: قَامَ النَّاسُ، فَإِذَا أَرَدْت إثْبَاتَ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ مَثَلًا لَا غَيْرُ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَإِنْ أَرَدْت سَلْبَ الْقِيَامِ عَنْ زَيْدٍ فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ إنَّمَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ مَعْنَوِيٍّ يَمْنَعُ إرَادَةَ الْجَمِيعِ، فَيَتَعَيَّنُ لَهُ الْبَعْضُ. وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ يَحْتَاجُ إلَى تَخْصِيصِ اللَّفْظِ غَالِبًا كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَالْغَايَةُ وَالْمُتَّصِلُ، نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ، ثُمَّ يَقُولُ: مَا قَامَ زَيْدٌ.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْعَامَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ هُوَ أَنْ يُطْلَقَ الْعَامُّ وَيُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلُهُ. هُوَ مَجَازٌ قَطْعًا، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ، وَبَعْضُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ. قَالَ: وَشَرْطُ الْإِرَادَةِ فِي هَذَا أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ اللَّفْظِ، وَلَا يَكْفِي طُرُوءُهَا فِي أَثْنَائِهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَلَيْسَتْ الْإِرَادَةُ فِيهِ إخْرَاجًا لِبَعْضِ الْمَدْلُولِ، بَلْ إرَادَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، كَمَا يُرَاد بِاللَّفْظِ مَجَازُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>