ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى إلَّا أَنْ يَبْقَى أَقَلُّ الْجَمْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إذَا بَقِيَ مِنْهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى جَوَازِهِ وَأَنَّهُ يَحِلُّ التَّخْصِيصُ مَحَلَّ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ وَعَكْسِهِ انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ ": وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ عَجِيبٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْبُلُوغُ فِي لَفْظِ " مَنْ " إلَى الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ يَجْعَلُهُ مَجَازًا عِنْدَهُ، فَهَلَّا جَازَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ الْجَمْعِ،
وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْبَدَلِ فَيَجُوزُ إلَى الْوَاحِدِ، وَإِلَّا فَلَا. حَكَاهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ مُطْلَقًا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ. حَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ مَا بَقِيَ فِي قَضِيَّةِ اللَّفْظِ وَاحِدٌ، وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " عَنْ مُعْظَمِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " عَنْ سَائِرِ أَصْحَابِنَا مَا عَدَا الْقَفَّالَ وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي أُصُولِهِ عَنْ إجْمَاعِ أَئِمَّتِنَا. وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْإِفَادَةِ " إلَى الْجُمْهُورِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ: إلَّا أَنَّ أَلْفَاظَ الْجَمْعِ كَالرِّجَالِ وَالنَّاسِ، مَتَى بَلَغَ التَّخْصِيصُ مِنْهَا إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ صَارَ اللَّفْظُ مَجَازًا، بِخِلَافِ لَفْظِ " مَنْ، مَا " فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَجَازًا، وَمَا أَظُنُّ أَصْحَابَنَا يُوَافِقُونَ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ يُقْبَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute