للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ بِقَرِينَةِ دَلَالَةِ الْعَقْلِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ دُونَ الْأَعْيَانِ. وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، وَمَعْنَى حُرْمَةِ الْعَيْنِ خُرُوجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْفِعْلِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ خُرُوجٌ مِنْ الْأَعْيَانِ شَرْعًا، وَذَكَرَ صَاحِبُ " الْمِيزَانِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ إذَا أُضِيفَا إلَى الْأَعْيَانِ فَهِيَ أَوْصَافٌ لَهَا كَمَا تَكُونُ أَوْصَافًا لِلْأَفْعَالِ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا، لِلْمُعْتَزِلَةِ.

قَالَ: وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إضَافَةَ التَّحْرِيمِ إلَى الْأَعْيَانِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُمْ نِسْبَةُ خَلْقِ الْقَبِيحِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ قَبِيحٌ. وَذَكَرَ صَاحِبُ " الْأَسْرَارِ " مِنْهُمْ أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مَعًا إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ أُضِيفَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ كَمَا يُقَالُ: جَرَى الْمِيزَابُ، وَقَالَ: حُرِّمَتْ الْمَيْتَةُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لِمَعْنًى فِيهَا، وَلَا يُقَالُ: حَرُمَتْ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا احْتِرَامُ الْمَالِكِ فَحَصَلَ فِي تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِالْأَعْيَانِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ، وَذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا مِنْ الْغَرَائِبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُوصَفُ بِمَا يَعُودُ إلَى نَفْسِ الذَّاتِ أَوْ صِفَةٍ نَفْسِيَّةٍ، أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِالذَّاتِ، أَوْ صِفَةٍ تُعَلَّقُ لَا يَرْجِعُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَى الذَّاتِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْأَحْكَامِ هَلْ يَكْتَسِبُ بِهَا الذَّوَاتُ صِفَةً أَمْ لَا؟ .

الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ التَّعَلُّقِ فَإِذَا قِيلَ: هَذَا نَجِسٌ فَلَيْسَ النَّجَاسَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>