وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْ مُطْلَقًا، وَمَنْ اغْتَرَفَ مِنْهُ غُرْفَةً عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: ٥٢] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى الْأَخِيرَةِ، وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَثْنَى " الْإِمَاءَ " مِنْ أَزْوَاجٍ. وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} [النساء: ٨٣] أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] فَهَذَا مَوْضِعُ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا قَلِيلًا، وَكَقَوْلِهِ: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: ١٠] بَعْدَ الْجُمَلِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ.
وَجَعَلَ ابْنُ جِنِّي فِي " الْخَاطِرِيَّاتِ " مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: ٢٢٤] {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: ٢٢٥] {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [الشعراء: ٢٢٦ - ٢٢٧] فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي يَفْعَلُونَ، وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا لَكَانَ مَدْحًا لَهُمْ وَثَنَاءً عَلَيْهِمْ، وَهَذَا ضِدُّ الْمَعْنَى هُنَا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ الْكَلَامُ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى؟ أَيْ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا. قِيلَ: فِيهِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ ذَمُّ الشُّعَرَاءِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute