للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّنِّ وَمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الظَّنِّ فَهُوَ مَظْنُونٌ، أَوْ هَذَا الْحُكْمُ مَظْنُونٌ. ثُمَّ نَقُولُ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ مَظْنُونَةٌ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَظْنُونِ بِمَعْلُومٍ فَلَا شَيْءَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِمَعْلُومٍ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيَّ فَإِنَّمَا يُنْتِجُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ مَعْلُومٌ، وَهُوَ بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيًّا مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي فِي أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُقَامُ عَلَيْهَا الْأَدِلَّةُ الْعِلْمِيَّةُ، وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّا نَبْنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا نَخْتَارُهُ، وَهُوَ أَنَّ لِلَّهِ حُكْمًا مُعَيَّنًا فِي الْوَاقِعَةِ، وَهُوَ مَطْلُوبُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَمَنْصُوبٌ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ، فَمَنْ أَصَابَ ذَلِكَ الْحُكْمَ فَهُوَ مُصِيبٌ مُطْلَقًا، وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَلِلَّهِ عَلَيْهِ حُكْمٌ آخَرُ شَرْطُهُ عَدَمُ إدْرَاكِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْمَصِيرِ إلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ مَعْلُومٌ. وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا مَعْلُومًا كَوْنُ الْأَوَّلِ مَعْلُومًا.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْمُخْتَارُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْوَاقِعَةِ حُكْمًا مُعَيَّنًا طَلَبَ الْعِبَادَ أَنْ يَقِفُوا عَلَيْهِ بِدَلَائِلِهِ الْمَنْصُوبَةِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ. فَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْعُثُورُ عَلَيْهِ أَوْ ظُنَّ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُهُ نَشَأَ هَاهُنَا حُكْمٌ آخَرُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَلْيُسَمَّ هَذَا بِالْحُكْمِ الْفَرْعِيِّ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ الرَّدُّ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ قَطْعِيَّتَيْنِ، وَمَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ قَطْعِيَّتَيْنِ فَهُوَ مَعْلُومٌ، فَالْفِقْهُ مَعْلُومٌ، وَقُرِّرَ كَوْنُهَا مَبْنِيَّةً عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ قَطْعِيَّتَيْنِ بِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قِيَامِ الظَّنِّ بِالْأَحْكَامِ، وَعَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَائِمٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعُ ظَنِّهِ فَيُرَتَّبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>