الْآمِدِيُّ: لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا، وَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْلَمَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ يَكُونُ التَّخْصِيصُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، لَا بِنَفْسِ الْإِجْمَاعِ، لَكِنْ حَكَى الْإِمَامُ بْنُ الْقُشَيْرِيّ الْخِلَافَ هَاهُنَا، فَقَالَ: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ، فَالْإِجْمَاعُ مُخَصِّصٌ لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي دَلِيلِ الْعَقْلِ. وَالْمُخَالِفُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ يُخَالِفُ فِي هَذِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ.
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا رُفِعَ عَنْ الْعَامِّ خَارِجٌ مِنْهُ، وَجَبَ الْقَطْعُ بِخُرُوجِهِ وَجَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا وَأَنْ يَكُونَ نَسْخًا انْتَهَى.
فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ احْتِمَالِ النَّسْخِ نَظَرٌ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْإِجْمَاعُ أَقْوَى مِنْ النَّصِّ لِأَنَّ الْخَاصَّ، لِأَنَّ النَّصَّ يُحْتَمَلُ نَسْخُهُ، وَالْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ وَجَعَلَ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: ٩] قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ. وَمَثَّلَهُ ابْنُ حَزْمٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ بَذَلُوا فَلْسًا أَوْ فَلْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِذَلِكَ حَقْنُ دِمَائِهِمْ، كَمَا قَالَ: " الْجِزْيَةُ " بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ جِزْيَةً مَعْلُومَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute