وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": إنَّهُ الْأَقْيَسُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. الرَّابِعُ: أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَصْلُ، وَخِطَابَ الْوَضْعِ عَلَى خِلَافِهِ. فَالْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: أَوْجَبْت عَلَيْكُمْ، أَوْ حَرَّمْت، وَأَمَّا جَعْلُهُ الزِّنَى وَالسَّرِقَةَ عَلَمًا عَلَى الرَّجْمِ وَالْقَطْعِ، فَبِخِلَافِ الْأَصْلِ. نَعَمْ خِطَابُ الْوَضْعِ يَسْتَلْزِمُ خِطَابَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْلَمُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] الْآيَةَ. وَنَحْوِهِ مِنْ الْخِطَابَاتِ اللَّفْظِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْأَحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ بِخِلَافِ خِطَابِ اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ خِطَابَ الْوَضْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا يُتَوَضَّأُ إلَّا مِنْ حَدَثٍ، فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لَفْظِيٌّ يُعْقَلُ تَجَرُّدُهُ عَنْ سَبَبِ وَضْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ عَلَى الْوَضْعِيِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَضْعِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمٍ وَتَمَكُّنٍ. حَكَاهُ الْآمِدِيُّ فِي بَابِ التَّرَاجِيحِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْوَضْعِيَّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قُدْرَةُ الْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ، وَلَا عِلْمُهُ، فَيُورَثُ بِالسَّبَبِ، وَيُطْلَقُ بِالضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَالْمُطْلِقُ عَلَيْهِ غَيْرَ عَالِمَيْنِ وَلَوْ أَتْلَفَ النَّائِمُ شَيْئًا أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا ضَمِنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا. وَتَحِلُّ الْمَرْأَةُ بِعَقْدِ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا، وَتَحْرُمُ بِطَلَاقِ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْطِئِ فِي الْقَتْلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute