رِوَايَةٍ رُوِيَتْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: عَجِبْت مِنْ رَجُلٍ عَظِيمٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إنَّ التَّيَمُّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى آيَةِ الْقَطْعِ، فَقَالَ: وَأَيْنَ هُوَ مِنْ آيَةِ الْوُضُوءِ؟ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ بِقِيَاسٍ أَوْ عِلَّةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْحَمْلِ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ. وَسَيَأْتِي حِكَايَةُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا الْإِطْعَامُ كَمَا فِي الظِّهَارِ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا كُلِّهِ يَخْرُجُ خِلَافٌ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا الْقِسْمِ، وَيَنْبَغِي الْتِفَاتُهُ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ، أَوْ اللَّفْظِ. فَإِنْ قُلْنَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ امْتَنَعَ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ اتِّحَادَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ هُنَا مُخْتَلِفٌ، حَيْثُ أُطْلِقَ الْإِطْعَامُ وَقُيِّدَ الصِّيَامُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَّفِقَا فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ، فَيُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتَ فَاعْتِقْ رَقَبَةً. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ ظَاهَرْتَ فَاعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوَافِقُ فِي هَذَا الْقِسْمِ، كَمَا قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ فِي " الْأَسْرَارِ "، وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: ١٩٦] عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مُتَتَابِعَاتٌ. وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ: تَغَدَّ عِنْدِي الْيَوْمَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَتَغَدَّى، حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِغَيْرِهِ. وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ فِي هَذَا الْقِسْمِ: الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَابْنُ فُورَكٍ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَغَيْرُهُمْ؛ وَكَإِطْلَاقِ تَحْرِيمِ الدَّمِ فِي مَوْضِعٍ، وَتَقْيِيدِهِ فِي آخَرَ بِالْمَسْفُوحِ، وَكَقَوْلِهِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: ٦] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {مِنْهُ} [المائدة: ٦] . وقَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [الشورى: ٢٠] فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute