مُخْتَلِفًا لَمْ يُحْمَلْ إطْلَاقُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا كَانَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ أَوْلَى، أَوْ مَا كَانَ دَلِيلُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ أَقْوَى، ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ " وَإِلْكِيَا. وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَقَدْ حَكَى الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِيهِ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا، وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا.
وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْكَفَّارَاتِ، وَمَثَّلَهُ بِالصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ فِي وُجُوبِ تَتَابُعِهِ قَوْلَيْنِ، أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ قَيْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُوجِبُ التَّتَابُعَ، وَهُوَ صَوْمُ الظِّهَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: ٩٢] وَالْآخَرُ، يُوجِبُ التَّفْرِقَةَ، وَهُوَ صَوْمُ التَّمَتُّعِ فِي قَوْلِهِ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ. فَتُرِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ التَّتَابُعِ فِيهِ وَالتَّفْرِيقِ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، لَمَّا أُطْلِقَ، وَهُوَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ حُمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ. اهـ. وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، قَالَ: هَذَا مِمَّا سَبَقَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُسْبَقْ فِيهِ.
وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِالْمَرَافِقِ، وَقَطْعُهَا فِي السَّرِقَةِ مُقَيَّدٌ بِالْكُوعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَسْحُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ وَرَدَ مُطْلَقًا، فَهَلْ يُلْحَقُ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالْغَسْلِ؟ هَذَا مَأْخَذُ الْخِلَافِ. قَالَ: وَالْأَصَحُّ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْمُقَيَّدَيْنِ، فَيُلْحَقُ بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلُهُ. وَقَالَ إِلْكِيَا: يَجِبُ الْوَقْفُ، إذْ لَا قِيَاسَ. فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ تَحَقَّقَ الْقِيَاسُ.
وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْمَحْصُولِ ": إنَّ مَنْ لَا يَرَى تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ أَصْلًا، لَا يُقَيِّدُهُ هُنَا بِأَحَدِهِمَا، وَمَنْ يَرَى التَّقْيِيدَ مِنْ اللَّفْظِ لَا يَرَاهُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَنْ يُقَيَّدَ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ وَأَمَّا مَنْ يَرَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute