إلَى ذَاتِهِ، وَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ صَارُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْحُسْنِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ فَقَالُوا: لَا يُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ حُسْنٌ وَلَا قُبْحٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَعْظِيمِهِ، وَالْقَبِيحَ مَا وَرَدَ بِذَمِّهِ، فَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ عَلَى التَّحْقِيقِ هُوَ عَيْنُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الشَّرْعِيَّيْنِ، وَقَدْ أَطْبَقَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ حُسْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالشُّكْرِ، وَقُبْحَ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ، مِمَّا يُدْرَكُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَقَالَ عَبْدُ الْجَلِيلِ فِي " شَرْحِ اللُّمَعِ ": أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا يُعْلَمُ حُسْنُهُ بِالْعَقْلِ وَلَا مَجَالَ لِلسَّمْعِ فِيهِ، كَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْعِلْمِ، وَالثَّانِي: مَا يُعْلَمُ قُبْحُهُ بِالْعَقْلِ، وَهُوَ ضِدُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَوْرِ وَكُفْرِ الْمُنْعِمِ وَالْجَهْلِ وَهَذَانِ الضَّرْبَانِ يُعْلَمَانِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ.
وَالثَّالِثُ: مَا فِي مَعْلُومِ اللَّهِ أَنَّ فِعْلَهُ يُؤَدِّي إلَى فِعْلِ مَا هُوَ حَسَنٌ فِي الْعَقْلِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حُسْنَهُ إلَّا بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ. وَالرَّابِعُ: مَا هُوَ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ أَنَّهُ قَبِيحٌ وَلَا يُعْلَمُ حَتَّى يَرِدَ السَّمْعُ فَيَكُونَ تَرْكُهُ دَاعِيًا إلَى الْقُبْحِ فِي الْعَقْلِ كَالزِّنَى وَاللِّوَاطِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ. فَهَذَا لَا يُعْلَمُ قُبْحُهُ إلَّا بَعْدَ وُرُودِ السَّمْعِ. هَذَا مَذْهَبُهُمْ فِي تَقْسِيمِ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي " الْمُرْشِدِ ": الشَّيْءُ عِنْدَنَا لَا يَحْسُنُ وَلَا يَقْبُحُ لِنَفْسِهِ بَلْ إنَّمَا تَرْجِعُ الْأَحْكَامُ إلَى قَوْلِ الشَّارِعِ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَتَوَقَّفُ إدْرَاكُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَلَى السَّمْعِ بَلْ يُدْرَكَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute