شَيْءٌ لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ؟ فَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ وَلِهَذَا مَنَعُوا التَّأْوِيلَ، وَاعْتَقَدُوا فِيهِ التَّنْزِيهَ عَلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، بَلْ الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَهُ، وَعَلَيْهِ انْبَنَى الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْوَقْفِ عَلَى: وَالرَّاسِخُونَ وَنَقَلَ فِي " الْوَجِيزِ " قَوْلًا بِتَأْوِيلِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ دُونَ السُّنَّةِ. قَالَ: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ. قَالَ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى تَنَكُّبِ تَأْوِيلِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ مَعَ اعْتِقَادِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى التَّأْوِيلِ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُوهِمَةِ لِلْجِهَةِ وَنَحْوِهَا فِرَقٌ ثَلَاثَةٌ، فَفِرْقَةٌ تُؤَوِّلُ، وَفِرْقَةٌ تُشَبِّهُ، وَثَالِثَةٌ تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ الشَّارِعُ مِثْلَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ إلَّا وَإِطْلَاقُهُ سَائِغٌ وَحَسَنٌ، فَنَقُولُهَا مُطْلَقَةً كَمَا قَالُوا مَعَ التَّصْرِيحِ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّنْزِيهِ وَالتَّبَرِّي مِنْ التَّحْدِيدِ وَالتَّشْبِيهِ. وَلَا نُهِمُّ بِشَأْنِهَا ذِكْرًا، وَلَا فِكْرًا، بَلْ نَكِلُ عِلْمَهَا إلَى مَنْ أَحَاطَ بِهَا، وَبِكُلِّ شَيْءٍ خَبَرًا. وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَضَى صَدْرُ الْأُمَّةِ وِسَادَتُهَا، وَإِيَّاهَا اخْتَارَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَادَتُهَا، وَإِلَيْهَا دَعَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَأَعْلَامُهُ، وَلَا أَحَدَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ يَصْدِفُ عَنْهَا وَيَأْبَاهَا، وَأَفْصَحَ الْغَزَالِيُّ عَنْهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِتَهْجِيرِ مَا سِوَاهَا، حَتَّى أَلْجَمَ آخِرًا فِي إلْجَامِهِ كُلَّ عَالِمٍ وَعَامِّيٍّ عَمَّا عَدَاهَا، قَالَ: وَهُوَ كِتَابُ " إلْجَامِ الْعَوَامّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ " وَهُوَ آخِرُ تَصَانِيفِ الْغَزَالِيِّ مُطْلَقًا أَوْ آخِرُ تَصَانِيفِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، حَثَّ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ. اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ: طَرِيقَةُ التَّأْوِيلِ بِشَرْطِهِ أَقْرَبُهُمَا إلَى الْحَقِّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا خَاطَبَ الْعَرَبَ بِمَا يَعْرِفُونَهُ، وَقَدْ نَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى مُرَادِهِ مِنْ آيَاتِ كِتَابِهِ، لِأَنَّهُ قَالَ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute