للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ " التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ ": سَمِعْت الثِّقَاتِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ يَقُولُونَ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ صَرَّحَ بِتَأْوِيلِ ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» . وَالثَّانِي: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» . وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: «إنِّي لَأَجِدُ رِيحَ نَفَسِ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» . وَنَقَلَ الرَّازِيَّ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِ: " تَأْسِيسِ التَّقْدِيسِ " بَدَلَ الْحَدِيثِ الثَّانِي: «أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي» ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كِتَابِ الْغَزَالِيِّ مَا ذَكَرْنَاهُ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَانْظُرْ كَيْفَ أَوَّلَ أَحْمَدُ لِقِيَامِ الْبُرْهَان عِنْدَهُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ظَاهِرِهِ، مَعَ أَنَّهُ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ التَّأْوِيلِ. فَيَقُولُ: الْيَمِينُ تُقَبَّلُ فِي الْعَادَةِ تَقَرُّبًا إلَى صَاحِبِهَا، وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يُقَبَّلُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ مِثْلُ الْيَمِينِ لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَكِنْ فِي عَارِضٍ مِنْ عَوَارِضِهِ، فَسُمِّيَ يَمِينًا؛ وَكَذَلِكَ لَمَّا اسْتَحَالَ وُجُودُ الْأُصْبُعَيْنِ فِيهِ حِسًّا إذْ مَنْ فَتَّشَ عَنْ صَدْرِهِ لَمْ يُشَاهِدْ فِيهِ أُصْبُعَيْنِ، فَأَوَّلَهُ عَلَى مَا بِهِ تَيَسُّرُ تَغْلِيبِ الْأَشْيَاءِ، وَقَلْبُ الْإِنْسَانِ بَيْنَ لَمَّةِ الْمَلَكِ وَلَمَّةِ الشَّيْطَانِ، وَبِهِمَا يُقَلِّبُ اللَّهُ الْقُلُوبَ، فَكَنَّى بِالْأُصْبُعَيْنِ عَنْهُمَا. قَالَ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ أَحْمَدُ عَلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَهُ الِاسْتِحَالَةُ إلَّا فِي هَذَا الْقَدْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ الْبَحْثَ عَنْ حَقَائِقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>