للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْهَقِيُّ تِلْمِيذُ الْبَغَوِيّ، عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ نَيْسَابُورَ. وَقَسَّمَ شَارِحُ " اللُّمَعِ " تَأْوِيلَ الظَّاهِرِ إلَى ثَلَاثِهِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: تَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنًى يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا، فَهَذَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ، كَحَمْلِ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: ٣٣] عَلَى الْوُجُوبِ، وَحَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ بِدَلِيلٍ جَائِزٍ. لِاسْتِعْمَالِ الْأَمْرِ مُرَادًا بِهِ النَّدْبُ كَثِيرًا، فَيُحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّدْبُ.

وَالثَّانِي: تَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنًى لَا يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا، فَهَذَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بَيَانُ قَبُولِ اللَّفْظِ لِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي اللُّغَةِ.

وَالثَّانِي: إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ هُنَا يَقْتَضِيهِ.

وَالثَّالِثُ: حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنًى لَا يُسْتَعْمَلُ أَصْلًا، فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ التَّأْوِيلِ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ. . . كَقَوْلِهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الطَّلَاقَ فِي حَالِ وَقْتِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ زَمَانُ الطُّهْرِ، فَلَوْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ. قَالَ: وَهَلْ يَجُوزُ التَّأْوِيلُ بِالْقِيَاسِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، ذَكَرَهَا فِي الْإِرْشَادِ: أَحَدُهَا: الْمَنْعُ. وَالثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ: الْجَوَازُ، لِأَنَّ مَا جَازَ التَّخْصِيصُ بِهِ جَازَ التَّأْوِيلُ بِهِ، كَأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَالثَّالِثُ: بِالْجَلِيِّ دُونَ الْخَفِيِّ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأُصُولِيِّينَ بِذِكْرِ ضُرُوبٍ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ هَاهُنَا كَالرِّيَاضَةِ لِلْأَفْهَامِ لِيَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ مِنْهَا عَنْ الْفَاسِدِ، حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهَا وَيَتَمَرَّنَ النَّاظِرُ فِيهَا. وَقَدْ أَوَّلَ الْحَنَفِيَّةُ أَشْيَاءَ بَعِيدَةً حَكَمَ أَصْحَابُنَا بِبُطْلَانِهَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>