للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَنْعَ الشَّافِعِيُّ الْحُكْمَ لِقُصُورٍ الْإِبْيَارِيِّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " وَقَالَ: اللَّامُ فِي " {لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠] " إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلتَّمْلِيكِ، أَوْ لِلْأَهْلِيَّةِ وَالِانْتِفَاعِ، كَالْجَلِّ لِلْفَرَسِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمِلْكَ صَحَّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِلَّا فَلَا، لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، فَيَخْرُجُ الْكَلَامُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ عَنْ مَرَاتِبِ النُّصُوصِ. فَإِمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ، مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ فِي الْحَالَيْنِ، فَيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مُفْتَقِرًا إلَى الدَّلِيلِ، أَوْ نُسَلِّمَ ظُهُورَ مَا قَالُوهُ، فَتَخْرُجَ الْمَسْأَلَةُ عَنْ تَعْطِيلِ النُّصُوصِ، وَيَكُونَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْمَقْبُولَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ مَنْ صَارَ إلَيْهَا إلَى دَلِيلٍ يُعَضِّدُهُ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَصْلَ اللَّامِ لِلْمِلْكِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى كَمَا رَاعَى الْحَاجَةَ رَاعَى مَنْ يُصْلِحُ ذَاتَ الْبَيْنِ، وَمَنْ يَغْرَمُ، وَكُلَّ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا تَرْغِيبًا فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ ثُمَّ تَجْوِيزُ الدَّفْعِ إلَى الْغَارِمِ الْغَنِيِّ يُنَافِي كَوْنَ الْمَقْصُودِ الْحَاجَةَ.

وَمِنْهَا: تَأْوِيلُ مَالِكٍ " الِاسْتِجْمَارُ " فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» عَلَى الْبَخُورِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ جَمَعَ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَهُ مِنْهُ الْأَعْرَابِيُّ اسْتَنْكَرَهُ. حَكَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ.

وَمِنْهَا: تَأْوِيلُهُ النَّهْيَ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ بِالتَّغَوُّطِ وَالْبَوْلِ عَلَيْهِ، وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جَسَدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>