وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَالْحَلِيمِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خُصُوصًا الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَبَّخَ الْكُفَّارَ عَلَى تَرْكِهِمْ الِاسْتِدْلَالَ بِعُقُولِهِمْ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِهِمْ. فَقَالَ: {لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: ١٩٠] وَقَالَ: {لأُولِي النُّهَى} [طه: ٥٤] وَقَالَ: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤] {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٦٤] {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ} [الملك: ١٠] . قَالَ: وَالصَّحِيحُ: هُوَ الْأَوَّلُ وَإِيَّاهُ نَخْتَارُ وَنَزْعُمُ أَنَّهُ شِعَارُ السُّنَّةِ. وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى نُرَكِّبَ عُقُولًا. وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ الْمَلَائِكَةِ فِي خِطَابَاتِهِمْ مَعَ أَهْلِ النَّارِ {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: ١٣٠] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: ٨] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا لَزِمَتْهُمْ بِالسَّمْعِ دُونَ الْعَقْلِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ بِحَالٍ، وَأَمَّا الْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرُوهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْعَقْلَ آلَةُ تَمْيِيزٍ وَبِهِ تُدْرَكُ آلَةُ الْأَشْيَاءِ وَيُتَوَصَّلُ إلَى الْحُجَجِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ بِذَاتِهِ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِإِيجَابٍ شَيْءٍ آخَرَ أَوْ تَحْرِيمِهِ.
قَالَ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَلَامِيَّةٌ وَإِنَّمَا اقْتَصَرْنَا فِيهَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَذَكَرْنَاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْفِقْهِ. انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ، وَالصَّيْرَفِيُّ رَأَيْته فِي كِتَابَيْهِمَا فِي الْأُصُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute