أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مُتَعَبِّدُونَ قَبْلَ الْبَيَانِ بِالْتِزَامِهِ بَعْدَ الْبَيَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ مُتَعَبِّدُونَ قَبْلَ الْبَيَانِ بِالْتِزَامِهِ مُجْمَلًا، وَبَعْدَ الْبَيَانِ بِالْتِزَامِهِ مُفَسِّرًا.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: قَالُوا: إنَّ الْتِزَامَ الْمُجْمَلِ قَبْلَ بَيَانِهِ وَاجِبٌ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَيْفِيَّةِ الْتِزَامِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَهُمَا. قُلْتُ: وَلَعَلَّ الثَّانِيَ مُرَادُ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَةُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الْعَامِّ، هَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ قَبْلَ وُرُودِ الْمُخَصِّصِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ: إنَّمَا جَازَ الْخِطَابُ بِالْمُجْمَلِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَفْهَمُونَهُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: لِيَكُونَ إجْمَالُهُ تَوْطِئَةً لِلنَّفْسِ عَلَى قَبُولِ مَا يَتَعَقَّبُهُ مِنْ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَدَأَ فِي تَكْلِيفِ الصَّلَاةِ وَبَيَّنَهَا، لَجَازَ أَنْ تَنْفِرَ النُّفُوسُ مِنْهَا، وَلَا تَنْفِرَ مِنْ إجْمَالِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ الْأَحْكَامِ جَلِيًّا، وَجَعَلَ مِنْهَا خَفِيًّا، لِيَتَفَاضَلَ النَّاسُ فِي الْعِلْمِ بِهَا، وَيُثَابُوا عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ لَهَا، فَلِذَلِكَ جَعَلَ مِنْهَا مُفَسَّرًا جَلِيًّا، وَجَعَلَ مِنْهَا مُجْمَلًا خَفِيًّا. ثُمَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْ الْمُجْمَلِ مَا لَا يَجِبُ بَيَانُهُ عَلَى الرَّسُولِ، كَقَوْلِهِ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: ٧] فَأَجْمَلَ فِيهِ النَّفَقَةَ فِي أَقَلِّهَا وَأَوْسَطِهَا وَأَكْثَرِهَا، حَتَّى اجْتَهَدَ الْعُلَمَاءُ فِي تَقْدِيرِهَا، وَسُئِلَ عَنْ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: آيَةُ الصَّيْفِ. فَوَكَلَهُ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَيَانِ.
قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْبَيَانِ الصَّادِرِ مِنْ الِاجْتِهَادِ، هَلْ يُؤْخَذُ قِيَاسًا أَوْ تَنْبِيهًا؟ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ تَنْبِيهًا مِنْ لَفْظِ الْمُجْمَلِ، وَشُوهِدَ أَحْوَالُهُ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِعُمَرَ: يَكْفِيك آيَةُ الصَّيْفِ» . فَرَدَّهُ إلَيْهَا لِيَسْتَدِلَّ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute