فَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ تَنْبِيهَ السَّمْعِ بَيِّنٌ فِي الْعَقْلِ انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ عَدَّوْا هَذَا إلَى غَيْرِهِ، فَقَالُوا: يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَقْلًا، وَبِالْقِيَاسِ عَقْلًا وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرُوا فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ مُوَافَقَتِهِمْ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَأْرِيخِهِ ": كَانَ الْقَفَّالُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مَائِلًا عَنْ الِاعْتِدَالِ قَائِلًا بِالِاعْتِزَالِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ. الثَّانِي: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِهِ " التَّقْرِيبِ " وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَعْلِيقِهِ " فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَهُ فِي " شَرْحِ كِتَابِ التَّرْتِيبِ " نَحْوًا مِنْ هَذَا أَيْضًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا حَكَيْنَا هَذِهِ الْمَذَاهِبَ عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَابْنِ سُرَيْجٍ كَانُوا قَدْ بَرَعُوا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي الْكَلَامِ، وَطَالَعُوا عَلَى الْكِبَرِ كُتُبَ الْمُعْتَزِلَةِ فَاسْتَحْسَنُوا عِبَارَاتِهِمْ غَيْرَ عَالِمِينَ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مَقَالَاتُهُمْ مِنْ قُبْحِ الْقَوْلِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَحْسَنُ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَنْقُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " ذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّ الْعُقُولَ بِمُجَرَّدِهَا تُحَسِّنُ وَتُقَبِّحُ، وَأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحَسَنِ يُعْلَمُ حُسْنُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ وَضَرُورَتِهِ دُونَ أَدِلَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَبِيحُ مِثْلُ وُجُوبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَقُبْحِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute