قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقْصِدْ حَدَّ الْبَيَانِ وَتَفْسِيرَ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ أَنَّ الْبَيَانَ اسْمٌ عَامٌّ جَامِعٌ لِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْبَيَانِ، وَهِيَ مُتَّفِقَةٌ فِي أَنَّ اسْمَ الْبَيَانِ يَقَعُ عَلَيْهَا، وَمُخْتَلِفَةٍ فِي مَرَاتِبِهَا، فَبَعْضُهَا أَجْلَى وَأَبْيَنُ مِنْ بَعْضٍ، لِأَنَّ مِنْهُ مَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ، وَمِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» فَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ أَبْلَغُ مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا كَالْخِطَابِ بِالنَّصِّ وَالْعُمُومِ وَالظَّاهِرِ، وَدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَنَحْوِهِ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ بَيَانٌ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبُهَا فِيهِ. اهـ. وَكَذَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ، وَابْنُ فُورَكٍ: مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ اسْمَ الْبَيَانِ يَقَعُ عَلَى الْجِنْسِ، وَيَقَعُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ: أَرَادَ أَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ مِنْ وُجُوهٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَجْتَمِعُ فِي أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْكِتَابِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ. حَكَاهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي تَقْرِيبِهِ ". وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": هَذَا لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ لِلْبَيَانِ بِأَنَّهُ يَجْمَعُهُ أَمْرٌ جَامِعٌ، وَهُوَ أَنَّهُ سُنَّةُ أَهْلِ اللُّغَةِ، أَنَّهُ يَتَشَعَّبُ إلَى أَقْسَامٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنْ حُدَّ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِ كَانَ قَدْ حُدَّ الْبَيَانُ بِأَنَّهُ بَيَانٌ، وَذَلِكَ حَدُّ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حُدَّ الْبَيَانُ الْعَامُّ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ، وَإِنْ حُدَّ الْبَيَانُ الْخَاصُّ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ الْفُقَهَاءُ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْكَلَامُ الْمُبْتَدَأُ إذَا عُرِفَ بِهِ الْمُرَادُ كَالْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ وَغَيْرِهِمَا. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute