إذَا اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ مَعْنًى، وَأُلْحِقَ بِهِ غَيْرُهُ، لَا يُقَالُ: لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ، بَلْ يَتَنَاوَلُهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّنْبِيهِ كَإِلْحَاقِ الْمَطْعُومَاتِ فِي بَابِ الرِّبَا بِالْأَرْبَعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَاسِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالنَّصِّ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَهْلَ التَّكْلِيفِ بِالِاعْتِبَارِ، وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَالِاجْتِهَادِ، فَهَذِهِ مَرَاتِبُ الْبَيَانِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا قَوْمٌ وَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ أَهْمَلَ قِسْمَيْنِ: وَهُمَا: الْإِجْمَاعُ، وَقَوْلُ الْمُجْتَهِدِ إذَا انْقَرَضَ عَصْرُهُ، وَانْتَشَرَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِأَحَدِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيّ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ، فَإِنْ كَانَ نَصًّا فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِنْبَاطًا فَهُوَ مِنْ الْخَامِسِ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَ أَيْضًا الْقِيَاسَ، لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى النَّصِّ. قُلْنَا: لِأَجْلِ هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ: لَا مَدْفَعَ لِلسُّؤَالِ، لَكِنَّهُ مَدْفُوعٌ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ، فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلَيْسَ دَالًّا عَلَى مَدْلُولِهِ فَلِذَلِكَ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ. وَالثَّانِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ تَعَرَّضَ لِمَرَاتِبِ الْبَيَانِ الْمَوْجُودَةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَالْإِجْمَاعُ لَمْ يُوجَدْ فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلِهَذَا أَغْفَلَهُ.
وَاعْتَرَضَ آخَرُونَ فَقَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ الْخِطَابِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ فَهُوَ يَدْخُلُ فِي قِسْمِ الْبَيَانِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالَفَةً فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا اُسْتُنْبِطَ بِالِاجْتِهَادِ، فَدَخَلَ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute