وَحَاصِلُهُ: أَنَّ حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَنَا مِنْ مَدْلُولَاتِ الْأَمْرِ، وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ مُوجِبَاتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ بَرْهَانٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ قَالُوا: إنَّ الْعَقْلَ مُوجِبٌ وَحَاكِمٌ، وَتَبِعَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيَصِيرُ مَطْلَعُ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الشَّرْعَ مُثْبِتٌ أَوْ مُقَرِّرٌ؟ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ فَسَلَكُوا طَرِيقًا لَخَصُّوا فِيهَا مَحَلَّ النِّزَاعِ، فَقَالُوا: الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ يُطْلَقَانِ بِمَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: مَا يُلَائِمُ الطَّبْعَ وَيُنَافِرُهُ، كَالْحَلَاوَةِ، وَالْمَرَارَةِ، وَالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ، وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ النِّزَاعِ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ. الثَّانِي: كَوْنُ الشَّيْءِ صِفَةَ كَمَالٍ أَوْ نَقْصٍ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَهُمَا بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ عَقْلِيَّانِ. أَيْ: يُعْرَفَانِ بِالْعَقْلِ بِلَا خِلَافٍ. الثَّالِثُ: كَوْنُ الْفِعْلِ مُوجِبًا لِلثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَهَذَا مَوْضِعُ النِّزَاعِ، فَعِنْدَنَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالشَّرْعِ وَعِنْدَهُمْ بِخِلَافِهِ، فَالنِّزَاعُ فِي كَوْنِ الْفِعْلِ مُتَعَلَّقَ الذَّمِّ عَاجِلًا وَالْعِقَابِ آجِلًا.
وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجِبُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّعَلُّقِ، وَنَازَعَهُ الْقَرَافِيُّ، فَقَالَ: النِّزَاعُ فِي كَوْنِ الْفِعْلِ مُتَعَلِّقًا لِلذَّمِّ أَوْ الْعِقَابِ يُشْعِرُ بِأَنَّ تَرَتُّبَ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ عَلَى الْفِعْلِ يُنَازَعُ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ، إذْ يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute