وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَعْلِ الِاقْتِضَاءِ بِأَقْسَامِهِ مِنْ فَنِّ الْمَفْهُومِ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى "، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَجَعَلَاهُ مِنْ فَنِّ الْمَنْطُوقِ، وَكَذَا الْإِيمَاءُ وَالْإِشَارَةُ مَعَ تَفْسِيرِهِمَا الْمَنْطُوقَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَالْمَفْهُومَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ التَّوْجِيهِ، مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: سُمِّيَ الْمَفْهُومُ مَفْهُومًا، لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِلِاقْتِضَاءِ وَالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ أَيْضًا، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَقْسَامُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْهُومِ، لَا الْمَنْطُوقِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَاسِطَةً بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقِ، وَلِهَذَا اعْتَرَفَ بِهَا مَنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَ، وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. هُنَا بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ عَلَاءِ الدِّينِ الْقُونَوِيِّ وَشَمْسِ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَكَتَبَا فِيهَا رِسَالَتَيْنِ، وَانْتَصَرَ الْأَصْفَهَانِيُّ لِابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنْ فَسَّرَ الْمَنْطُوقَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، فَلَزِمَ مِنْهُ جَعْلُ الثَّلَاثَةِ مَنْطُوقًا، لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَإِنْ لَمْ يُوَضِّحْ اللَّفْظُ لَهَا، بِخِلَافِ الْمَفْهُومِ، فَلْيُرَاجَعْ كَلَامُهُمَا. وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ دَلَالَةَ الْإِشَارَةِ أَنْ لَا يَقْصِدَ وَهُوَ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَمَثَّلَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] الْآيَةَ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالِاسْتِيلَاءِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ، أَيْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى بَيَانِهِ، إذْ الْآيَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute