للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ قَوْلَهُ: " فِي الْمَسَاجِدِ " لَا مَفْهُومَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْعِ الْمُبَاشَرَةِ، فَإِنَّ الْمُعْتَكِفَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ مُطْلَقًا.

السَّابِعُ: أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْ السِّيَاقِ قَصْدُ التَّعْمِيمِ، فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤] لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ: " كُلِّ شَيْءٍ " التَّعْمِيمُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُمْكِنَةِ لَا قَصْرُ الْحُكْمِ.

الثَّامِنُ: أَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْمَنْطُوقُ بِالْإِبْطَالِ، فَلَا يُحْتَجُّ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» إذْ لَوْ صَحَّ، لَصَحَّ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ الَّذِي نَطَقَ الْحَدِيثُ بِمَنْعِهِ، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.

وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَنْطُوقُ مَعْنَاهُ خَاصًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] إلَى قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] فَتَقْيِيدُ التَّيَمُّمِ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ شَرْطٌ فِي إبَاحَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ عَامًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ، وَسَقَطَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ، كَتَقْيِيدِ الْفِطْرِ بِالْخَوْفِ، وَالْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ.

وَقَالَا: عَمَّمَ دَاوُد وَأَهْلُ الظَّاهِرِ الْحُكْمَ فِي الْمُقَيَّدِ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ، لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى النُّصُوصِ دُونَ الْمَعَانِي عِنْدَهُمْ، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] وَلَا يُسْتَبَاحُ قَتْلُهُمْ مَعَ أَمْنِ إمْلَاقٍ. وَقَالَ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>