قَبْلَ التَّعْلِيقِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ كَمَا سَبَقَ. فَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الشَّرْطِ. وَمَنْ قَالَ: الْمُعَلَّقُ بِكَلِمَةِ " إنْ " صَرِيحٌ، فَدَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى وُجُودِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِهِ لَيْسَ إلَّا، أَمَّا الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ، وَلَكِنْ هَلْ الدَّالُّ عَلَى الِانْتِفَاءِ صِيغَةُ الشَّرْطِ أَوْ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ؟ فَمَنْ جَعَلَهُ حُجَّةً، قَالَ بِالْأَوَّلِ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ قَالَ بِالثَّانِي. وَهَاهُنَا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: ثُبُوتُ الْجَزَاءِ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ. وَثَانِيهَا: عَدَمُ الْجَزَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ. وَثَالِثُهَا: دَلَالَةُ النُّطْقِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَرَابِعُهَا: دَلَالَتُهُ عَلَى الثَّانِي. فَأَمَّا الدَّلَالَةُ الْأُولَى فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. وَالرَّابِعُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْجَزَاءِ ثَابِتٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ. لَكِنْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ ثُبُوتُهُ لِدَلَالَةِ التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ النُّفَاةِ ثَابِتٌ بِمُقْتَضَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَالْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْخِلَافُ فِي عِلَّتِهِ، فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي دَلَالَةِ حَرْفِ الشَّرْطِ عَلَى الْعَدَمِ عِنْدَ الْعَدَمِ، لَا عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ عِنْدَ الْعَدَمِ. فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ النَّاطِقُ بِكَلَامٍ. وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي سَائِرِ الْمَفَاهِيمِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ وَهُوَ مِنْ الْمُنْكِرِينَ لَهُ: انْتِفَاءُ الْمُعَلَّقِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ، لَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُتَعَلِّقِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ النَّصِّ. قَالَ: وَحَاصِلُ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ هَلْ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ عِلَّةِ الْحُكْمِ؟ فَعِنْدَنَا يَمْنَعُ، وَعِنْدَهُمْ لَا. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ، كَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً، وَكَانَتْ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ، وَالشَّرْطُ يَمْنَعُ وُجُودَ الْحُكْمِ، وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَ الشَّرْطُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ، لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً حَتَّى تُوجِبَ الْحُكْمَ، فَلَمْ يُتَصَوَّرُ اسْتِنَادُ مَنْعِ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute