وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي " الْمُخْتَصَرِ " الْقَوْلَ بِتَعْصِيَةِ النَّاجِشِ، وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ فِي السِّلْعَةِ لَا لِغَرَضٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ. وَشَرَطَ فِي تَعْصِيَةِ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ الْعِلْمَ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ. فَقَالَ الشَّارِحُونَ: السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّجْشَ خَدِيعَةٌ، وَتَحْرِيمُ الْخَدِيعَةِ وَاضِحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خَبَرٌ بِخُصُوصِهِ، وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ الْأَخِ إنَّمَا عُرِفَ مِنْ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ فَلَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْخَبَرَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَحْرِيمَ الْخِدَاعِ يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي " شَرْحِ الْوَجِيزِ ": وَهَذَا لَيْسَ مِنْ مُعْتَقَدِنَا. انْتَهَى.
وَإِذَا فَهِمْته عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ تَحْرِيمَ الْخِدَاعِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْلَالٍ فِي ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ اعْتِرَاضٌ، وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ عَدَمُ صِحَّةِ إسْلَامِ الصَّبِيِّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ فَرْعُ تَقَدُّمِ الْإِلْزَامِ بِهِ، وَلَا إلْزَامَ مَعَ الصَّبِيِّ شَرْعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ. ثُمَّ الْمُعْتَمَدُ فِي إبْطَالِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَدَمُ وُجُوبِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ بِأَنْ يُقَالَ: خَلْقُ الْعَالَمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ، أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ، فَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى فِعْلَ الْمَصَالِحِ دُهُورًا لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ خَلْقُهُ عَرِيًّا عَنْ الْمَصَالِحِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ مَلْزُومًا لِلْمَصَالِحِ، أَوْ لَا تَكُونُ رِعَايَتُهَا وَاجِبَةً، وَإِذَا تَقَرَّرَ عَدَمُ وُجُوبِهَا فَلَا يَجِبُ فِي الْعَقْلِ أَنَّ اللَّهَ يَرْبِطُ أَحْكَامَهُ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute