وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ مُنْكِرِي الْمَفْهُومِ الشَّرْطِيِّ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْغَزَالِيِّ، وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُعْظَمُ نُفَاةِ الْمَفْهُومِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ، وَصَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. وَقَالَ سُلَيْمٌ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي ذَلِكَ. وَخَالَفَ الْأَشْعَرِيَّةُ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": صَارَ مُعْظَمُ نُفَاةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِحُرُوفِ الْغَايَةِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ وَرَاءَ الْغَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَكُنَّا قَدْ نَصَرْنَا إبْطَالَ حُكْمِ الْغَايَةِ فِي كُتُبٍ، وَالْأَوْضَحُ عِنْدَنَا الْآنَ الْقَوْلُ بِهَا، فَإِذَا قَالَ: اضْرِبْ عَبْدِي حَتَّى يَتُوبَ، اقْتَضَى ذَلِكَ بِالْوَضْعِ الْكَفَّ عَنْ ضَرْبِهِ إذَا تَابَ، وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا حُرُوفَ الْغَايَةِ، وَغَايَةُ الشَّيْءِ نِهَايَتُهُ. فَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بَعْدَهَا لَمْ تَفْدِ تَسْمِيَتُهَا غَايَةً.
قَالَ: وَهَذَا مِنْ تَوْقِيفِ اللُّغَةِ مَعْلُومٌ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْغَايَةِ مَوْضُوعٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا. وَاحْتَجَّ الْقَاضِي أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّك تَقْدِرُ فِي غَايَةِ الطُّهْرِ فَتَقُولُ فِي: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] تَقْدِيرُهُ فَاقْرُبُوهُنَّ، وَفِي: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] فَتَحِلُّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَنْطُوقِ لَا الْمَفْهُومِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ.
وَكَذَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ فِي، الْمُسْتَوْفَى "، وَابْنُ الْحَاجِّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى " الْمُسْتَصْفَى ": عَدُّ الْأُصُولِيِّينَ الْمُغَيَّا " بِإِلَى، وَحَتَّى " فِي الْمَفْهُومِ جَهْلٌ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، فَإِنَّ الْمُخَالِفَ بِمَا يَقْتَضِيهِ " حَتَّى وَإِلَى " لَا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute