وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ ": «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» يُفِيدُ إجْزَاءَ الصَّلَاةِ بِالطُّهُورِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُفِيدُ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُفِيدُ إجْزَاءَهَا. وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (إلَّا بِطُهُورٍ) يَقْتَضِي رَدَّ جَمِيعِ مَا نَفَاهُ بِقَوْلِهِ: (لَا صَلَاةَ) وَإِثْبَاتُهُ. قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ، وَذَهَبَ ابْنُ الدَّقَّاقِ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي النَّوَافِلِ، فَيُقَالُ: لَا صَلَاةَ نَافِلَةٍ إلَّا بِطَهَارَةٍ. وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَإِجْزَائِهَا بِالطَّهَارَةِ.
وَقَالَ إِلْكِيَا: الْمَفْهُومُ يَجْرِي فِي النَّفْيِ كَالْإِثْبَاتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ. قَالَ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إذَا قَالَ: لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، كَانَ نَصًّا فِي الْقَطْعِ فِي الرُّبْعِ مَفْهُومًا فِي الَّذِي فَوْقَهُ وَدُونَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي " أَمَالِيهِ ": الْإِثْبَاتُ بَعْدَ النَّفْيِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ مُفِيدٌ لِلْحَصْرِ، أَيْ يَنْفَرِدُ مَا بَعْدَ " إلَّا " بِذَلِكَ دُونَ الْعَامِّ الْمُقَدَّرِ. فَإِذَا قُلْت: مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ، فَزَيْدٌ مُنْفَرِدٌ بِالْمَجِيءِ دُونَ الْآخَرِينَ الْمُقَدَّرِينَ فِي: مَا جَاءَ أَحَدٌ. وَإِذَا قُلْت: مَا زَيْدٌ إلَّا بَشَرٌ، لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ بَشَرًا غَيْرُهُ، لِأَنَّك إنَّمَا أَثْبَتَّهَا لَهُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ. وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِنَفْيِهَا عَمَّنْ عَدَاهُ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ مُسْتَثْنًى هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَالصِّفَةِ وَالْحَالِ. نَحْوُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلَّا رَاكِبًا، وَمَا زَيْدٌ إلَّا عَالِمٌ، لَمْ تُرِدْ نَفْيَ الرُّكُوبِ وَالْعِلْمِ عَمَّنْ عَدَاهُ، وَإِنَّمَا أَرَدْت ثُبُوتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ. فَإِنْ قُلْت: فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَنْفِيٌّ عَامٌّ، وَهَذَا مُثْبَتٌ مِنْهُ دُونَهُ فَيَكُونَ الْمَعْنَى إثْبَاتَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ. وَهُوَ غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute