بِصَحِيحٍ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ، وَيَكُونُ الْمُبْتَدَأُ لَفْظًا خَاصًّا لَا عَامًّا، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي هَذَا الْغَلَطِ كَوْنُ الصَّدَاقَةِ لَفْظًا عَامًّا. نَعَمْ، هُوَ عَامٌّ إذَا انْفَرَدَ فَلَمْ يَقَعْ خَبَرًا وَلَا مُبْتَدَأً وَلَا صِفَةً، فَيُقَالُ: " صَدِيقِي " يَصْلُحُ لِلْخَبَرِيَّةِ عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ أَكْثَرَ، فَإِذَا وُصِفَ بِهِ مَوْصُوفٌ أَوْ أُخْبِرَ بِهِ عَنْ مُبْتَدَأٍ كَانَ مُفْرَدًا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْمَوْصُوفُ مُفْرَدًا. فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْمَوْصُوفُ مُثَنًّى أَوْ جَمْعًا كَانَ هُوَ كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ الْمُقَدَّرَةُ فِيهِ، فَإِنَّمَا تُقَدَّرُ عَلَى وَفْقِ مَنْ تَعُودُ عَلَيْهِ. مِثَالُهُ: زَيْدٌ صَدِيقِي هُوَ، وَالزَّيْدَانِ صَدِيقِي هُمَا، وَالزَّيْدُونَ صَدِيقِي هُمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ: زَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّك إنْ أَخَّرْت صَدِيقِي كَانَتْ الصَّدَاقَةُ غَيْرَ مَحْصُورَةٍ فِي زَيْدٍ، وَإِنْ قَدَّمْته كَانَتْ مَحْصُورَةً فِيهِ، وَكَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ خَبَرٌ فِي الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا الْقَوْلَ، وَزَعَمَ أَيَّهُمَا قُدِّمَ فَهُوَ الْمُبْتَدَأُ. وَقَالَ قَوْمٌ: بِاسْتِوَاءِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ.
وَوَجَّهَ قَوْمٌ قَوْلَ الْإِمَامِ: إنَّ " صَدِيقِي " مُقْتَضٍ لِلْخَبَرِيَّةِ، لِإِفَادَتِهِ النِّسْبَةَ إلَى زَيْدٍ، فَإِذَا كَانَ خَبَرًا وَأَخَّرْته لَمْ يَلْزَمْ الْحَصْرُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ أَعَمَّ، كَقَوْلِك: زَيْدٌ عَالِمٌ، فَإِذَا قَدَّمْته مَعَ كَوْنِهِ خَبَرًا فَلَمْ تُقَدِّمْهُ إلَّا لِغَرَضٍ، وَلَا غَرَضَ إلَّا قَصْدُ الْحَصْرِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْرِفَتَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا كَانَ أَسْبَقُهُمَا الْمُبْتَدَأَ، فَإِذَا قُلْت: زَيْدٌ صَدِيقِي، فَلَا حَصْرَ لِجَوَازِ عُمُومِ الْخَبَرِ، وَإِذَا قُلْت: صَدِيقِي زَيْدٌ أَفَادَ الْحَصْرَ، لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ صَدِيقِي، فَلَوْ قَدَّرْت الْخَبَرَ عَامًّا لَمْ يَسْتَقِمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُطَابَقَتِهِ، وَأَنْ لَا صَدِيقَ سِوَاهُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ بِقَوِيَّيْنِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ: أَنَّ الْمَعْرِفَتَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا فَالْمُقَدَّمُ هُوَ الْمُبْتَدَأُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute