للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ فِي " الْفَلَكِ الدَّائِرِ ": الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ إلَّا بِالْقَرَائِنِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ التَّصْرِيحُ بِهِ مَعَ عَدَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: ٣١] وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الرَّوَاسِي لَمْ يَجْعَلْهُ فِي الْأَرْضِ. وَقَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} [طه: ١١٨] وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِهِ، فَقَدْ كَانَتْ حَوَّاءُ كَذَلِكَ. وَقَوْلِهِ: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: ٧٨] وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَا نَفَشَتْ إلَّا فِيهِ، لِأَنَّ النَّفْشَ: انْتِشَارُ الْغَنَمِ مِنْ غَيْرِ رَاعٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي حَرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: ٧٨] فُقِدَ الظَّرْفُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا حُكْمَهُمْ. وَقَالَ: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: ٩٠] وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصْلِحْ زَوْجَةَ أَحَدٍ غَيْرِهِ. قَالَ: وَفِي الْكِتَابِ أَلْفُ آيَةٍ مِثْلُ هَذِهِ تُبْطِلُ الِاخْتِصَاصَ وَالْحَصْرَ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لَا بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ. اهـ. وَأَنْتَ إذَا عَرَفْت قَيْدَ الْعِلَّةِ سَهُلَ الْأَمْرُ. نَعَمْ، لَهُ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْمُولُ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَضْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُقَدَّمًا حَقِيقَةً، كَأَسْمَاءِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمُبْتَدَأِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُ مَعْمُولًا لِخَبَرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ التَّقْدِيمُ لِمَصْلَحَةِ التَّرْكِيبِ، مِثْلُ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: ١٧] عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْبَيَانِيِّينَ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ، وَالْحَصْرَ، وَالْقَصْرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلِهَذَا يَجْعَلُونَ مِنْ الْحَصْرِ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ مُقَيِّدٌ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ. وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>