للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي نَسْخِ الظِّلِّ بَيِّنٌ، لِأَنَّهُ زَالَ بِضِدِّهِ. وَفِي نَسْخِ الْكِتَابِ مُقَدَّرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلَامَ الْمَنْقُولَ بِالْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَفَادًا إلَّا مِنْ الْأَصْلِ، فَكَانَ لِلْأَصْلِ بِالْإِفَادَةِ خُصُوصِيَّةٌ، فَإِذَا نَسَخْتُ الْأَصْلَ ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةُ، وَارْتِفَاعُ الْأَصْلِ وَالْخُصُوصِيَّةِ سَوَاءٌ فِي مُسَمَّى الرَّفْعِ. وَقِيلَ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ التَّغْيِيرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ، وَنَبَّهَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " عَلَى أَنَّ نَسَخْت الْكِتَابَ لَيْسَ مِنْ بَابِ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، بَلْ يُشْبِهُ الْمَنْقُولَ. ثُمَّ قِيلَ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: بَلْ مَعْنَوِيٌّ يُبْنَى عَلَيْهِ جَوَازُ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ، فَمَنْ قَالَ: حَقِيقَةٌ فِي الْإِزَالَةِ مَجَازٌ فِي النَّقْلِ جَوَّزَهُ، وَمَنْ قَالَ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا مَنَعَهُ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ النَّسْخِ فِي الشَّرْعِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: هُوَ مَنْقُولٌ إلَى مَعْنًى فِي الشَّرْعِ، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ فِي الشَّرْعِ مَعْنًى مُمَيَّزًا يَجْرِي مَجْرَى اسْمِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو هَاشِمٍ: إنَّهُ يُفِيدُ مَعْنًى فِي الشَّرْعِ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ بِاللُّغَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفِيدُ إزَالَةَ مِثْلِ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ، كَمَا يُفِيدُ فِي اللُّغَةِ الْإِزَالَةَ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَهُ عَلَى إزَالَةِ مِثْلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِنَا: " دَابَّةٌ " فِي أَنَّهُ غَيْرُ مَنْقُولٍ، لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ مَا يَدِبُّ. اهـ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ، كَمَا نُقِلَ اسْمُ الصَّلَاةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي الشَّرْعِ بِرَفْعِ مِثْلِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ الرَّفْعُ عَامًّا كَمَا خُصِّصَتْ الدَّابَّةُ بِالِاسْمِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا يَدِبُّ عَلَيْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>