مَا يُنْسَخُ بَعْضُهُ، لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْمَنْسُوخِ، مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، فَلَا بُدَّ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ أَنَّهُ قَصَدَ إيجَابَ الْعِبَادَاتِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ، ثُمَّ يَدُلُّ دَلِيلٌ آخَرُ بَعْدَهُ عَلَى النَّسْخِ. اهـ. وَقَالَ إِلْكِيَا: لَا يَسْتَلْزِمُ الْبَدَاءَ، لِأَنَّ النَّسْخَ هُوَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الثَّابِتِ زَائِلٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ غَيْرُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَأَنَّ وَقْتَ النَّهْيِ عَنْهُ غَيْرُ وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَبَنَوْا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ نَسْخَ الْفِعْلِ قَبْلَ وَقْتِ إمْكَانِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأَمَّا الْأَشْعَرِيَّةُ فَجَوَّزُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَاَلَّذِي نَهَى عَنْهُ لِمَفْسَدَةٍ، لَا أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ عَبَثًا، وَتَقْدِيرُ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَوَّلِ ضَرْبٌ مِنْ الْبَدَاءِ، وَغَايَةُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ مَشْرُوطٌ بِبَقَائِهِ أَوْ مَشْرُوطٌ بِانْتِفَاءِ النَّهْيِ. فَإِذَا نُهِيَ عَنْهُ فَقَدْ زَالَ الشَّرْطُ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ الْفِعْلِ غَيْرَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ. وَلَيْسَ كَمَا إذَا قَالَ: أَمَرْتُكُمْ بِكَذَا وَكَذَا. وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مُتَّصِلًا بِهِ، لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ. وَهَاهُنَا النَّهْيُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْأَمْرِ، فَهُوَ كَقَوْلِك: أَمَرْتُكُمْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لَكُمْ مَا يُنَافِيهِ.
فَائِدَةٌ [تَحْقِيقٌ لُغَوِيٌّ فِي لَفْظِ الْبَدَاءِ]
حَكَى ابْنُ الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ فِي كِتَابِ " النُّكَتِ " عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ لَفْظَ الْبَدَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْبُدُوُّ مِنْ بَدَا الشَّيْءُ يَبْدُو بَدْوًا وَبُدُوًّا، إذَا ظَهَرَ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي " فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ ": وَهَذَا لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute