وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، إلَى الْمَنْعِ. وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: إنَّهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ، وَلِهَذَا حَدَّ النَّسْخَ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى زَوَالِ مِثْلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْأَشَاعِرَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَعَامَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ ": إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَهَكَذَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ الْمَنْعَ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ. وَنَقَلَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " عَنْ الصَّيْرَفِيِّ الْجَوَازَ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي كِتَابِهِ. قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نَسْخِهَا، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَزْمِ. وَقَالَ صَاحِبُ " اللُّبَابِ ": اخْتَلَفُوا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ، هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِ النَّسْخِ؟ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِثْلُ: أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ، وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَامَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّهُ شَرْطٌ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخنَا، وَعَامَّةُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَمْرُ مُعَلِّقًا بِوَقْتٍ جَازَ نَسْخُهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِامْتِثَالِ بِهِ فِيهِ وَقَعَ الْخِلَافُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الِاعْتِقَادِ شَرْطٌ. اهـ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: شَرْطُ جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَنَا التَّمَكُّنُ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ شَرْطٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: لَا نَسْخَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute