وَأَمَّا الْإِمَامُ الرَّازِيَّ فَإِنَّهُ عَمَّمَ الْخِلَافَ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوَاعِدِ الِاعْتِزَالِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْحَظْرِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ إنْقَاذِ الْغَرْقَى، وَإِطْعَامِ الْجَوْعَانِ، وَكِسْوَةِ الْعُرْيَانِ. وَالْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْعَقْلِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. وَالْخِلَافُ ظَاهِرٌ فِيمَا لَمْ يَطَّلِعْ الْعَقْلُ عَلَى مَفْسَدَتِهِ وَلَا مَصْلَحَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا تُنَافِي الْأُصُولُ قَوَاعِدَ الْقَوْمِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: لَكِنَّ طَرِيقَةَ الْإِمَامِ يُسَاعِدُهَا النَّقْلُ، فَإِنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّ فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ " حَكَى عَنْ شِيعَتِهِ الْمُعْتَزِلَةِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ كَمَا حَكَى الْإِمَامُ، وَوَافَقَهُ الْقَرَافِيُّ أَخِيرًا لِهَذَا. قُلْت: لَكِنَّ ابْنَ بَرْهَانٍ وَابْنَ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا حَكَوْا الْخِلَافَ عَنْهُمْ فِيمَا لَا يَقْضِي الْعَقْلُ فِيهِ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: قَالَ جُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ: الشُّكْرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَاجِبٌ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَهُ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مُبَاحٌ؟ . وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ مِمَّنْ يُوَافِقُ الْمُعْتَزِلَةَ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَا كَانَ لِلْعَقْلِ فِيهِ حُكْمٌ أَنَّهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ مِثْلُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَكُفْرِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهُ ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ. وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ إنَّ التَّنَفُّسَ فِي الْهَوَاءِ وَالِانْتِقَالَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان آخَرَ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ لَكِنَّ صَاحِبَ الْمَصَادِرِ " مِنْ الشِّيعَةِ حَكَى الْخِلَافَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ هَلْ هُوَ فِي الْحَالَتَيْنِ أَوْ فِي الِاخْتِيَارِيَّةِ؟ قَوْلَانِ. وَقَالَ سُلَيْمٌ أَيْضًا فِي ذَيْلِ الْمَسْأَلَةِ: ثُمَّ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ وَحَظْرِهِ كَالْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَنَاكِحِ أَمَّا مَا لَا يَجُوزُ عَنْهُ الْحَظْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute