للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. أَمَّا الْمَنْسُوخُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِيهِ، بَلْ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَكِنَّ الَّذِي قَدْ ثَبَتَ ضِمْنًا بِهَا لَا يَثْبُتُ بِهِ اسْتِقْلَالًا، كَالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَوَابِلِ، وَكَقَبُولِ قَوْلِ الرَّاوِي فِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ أَنَّهُ قَبْلَ الْآخَرِ عَلَى رَأْيٍ، وَإِنْ لَزِمَ نَسْخُ الْمَعْلُومِ بِقَوْلِهِ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ زَمَانَنَا هَذَا لَيْسَ زَمَانَ نَسْخٍ، وَفِي زَمَانِ النَّسْخِ لَمْ يَقَعْ النَّسْخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.

وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: الْقُرْآنُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَكِنْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَالْعَهْدُ بِهِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: وَهِيَ مِمَّا يُتْلَى، أَيْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ. وَضُعِّفَ هَذَا بِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَجُوزُ بِذَلِكَ.

وَأَجَابَ آخَرُونَ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] مُطْلَقٌ فِي الْإِرْضَاعِ، وَالْخَبَرُ جَاءَ لِبَيَانِ الْعَدَدِ، فَلَفْظُ الْقُرْآنِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْعَدَدِ، وَالتَّغَيُّرُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِخَبَرِ عَائِشَةَ، فَالْآيَةُ إذَا كَانَتْ مُبَيَّنَةً بِالْخَبَرِ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَانَ الْمَتْلُوُّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، يَعْنِي وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] إذَا ثَبَتَ بِالْخَبَرِ بَيَانُ قَدْرِ الزَّكَاةِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْخَبَرِ، فَكَانَ قِرَاءَةُ الزَّكَاةِ فِي الْقُرْآنِ قِرَاءَةَ نِصْفِ دِينَارٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى جِوَارِ نَسْخِ الْآخَرِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ، أَنَّ التِّلَاوَةَ حُكْمٌ، فَلَا يَبْعُدُ نَسْخُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْآخَرِ. وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلثَّانِي.

فَرْعٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُحَدِّثِ مَسُّ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ قَالَ الْآمِدِيُّ: تَرَدَّدَ فِيهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ. وَخَالَفَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ: الْأَشْبَهُ الْجَوَازُ، وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا. وَلِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>