ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يُحِلْ جَوَازَ الْعِبَادَةِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَفْعِ حُكْمِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا يَجُوزُ لِلدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَقِيَامُ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ هُوَ الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كَذَا بِالْخَبَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيَامِ الدَّلِيلِ، فَهَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ: يَمْتَنِعُ أَنْ تَنْسَخَ السُّنَّةُ الْقُرْآنَ. اهـ. وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى أَبُو إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ " فَقَالَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا ابْنُ بَرْهَانٍ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْهُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ، لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَجُوزُ عَقْلًا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بِأَدِلَّةِ السَّمْعِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّنُّ بِالشَّافِعِيِّ مَعَ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ فِي هَذَا الْفَنِّ. انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَمْنَعْ الْجَوَازَ الْعَقْلِيَّ، بَلْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَلْبَتَّةَ لَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِهِ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ قَائِلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِهِ الْمُحَالُ فَبَاطِلٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْعَقْلَ يُقْتَضَى تَقْبِيحَهُ فَهُوَ قَوْلٌ مُعْتَزِلِيٌّ، وَالشَّافِعِيُّ بَرِيءٌ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ.
فَإِنْ قُلْت: فَمَا وَجْهُ قَوْلِ سُلَيْمٍ، وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ: إنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ جَمِيعًا؟ وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَنَعَ مِنْهُ بِالْعَقْلِ، وَكَذَا الْبَاجِيُّ. قُلْت: مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ فَقَطْ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ، فَيُرَجَّحُ عَلَى نَقْلِ هَؤُلَاءِ، وَلَوْ قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ لَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَهُ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا، لَا الْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا احْتَجَّ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ الصُّعْلُوكِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute