للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ طَلَبُوا لَهُ مَحَامِلَ، فَقِيلَ: إنَّمَا قَالَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ لِلرَّسُولِ، فَإِذَا جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي. بِنَصِّ الْكِتَابِ وَحَكَمَ ثُمَّ أَرَادَ الرَّسُولُ نَسْخَهُ بِاجْتِهَادِهِ، لَا يَجُوزُ لَهُ، لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُؤَدِّي إلَى بَيَانِ أَمَدِ الْعِبَادَةِ، وَلَا يَهْدِي إلَى مِقْدَارِ وَقْتِهَا. وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ مَنَعَ مِنْ النَّسْخِ بِالْمُتَوَاتِرِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ تَجْوِيزُ نَسْخِ الْقُرْآنِ لِلسُّنَّةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ مَا كَانَ بَيَانًا فِي كِتَابِ اللَّهِ بِالنَّصِّ كَانَ ثُبُوتُهُ عَنْهُ بِاجْتِهَادِ الرَّسُولِ، لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ اسْتِخْرَاجٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْكِتَابِ. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: الشَّافِعِيُّ يَمْنَعُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ لِسُنَّةٍ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ.

قُلْت: وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي " الرِّسَالَةِ " بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِهِ، وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ سَنَّ فِيهِ غَيْرَ مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ [لَسَنَّ فِيمَا أَحْدَثَ اللَّهُ] إلَيْهِ حَتَّى يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِلَّتِي قَبْلَهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ؟ قِيلَ: لَوْ نُسِخَتْ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ، كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُ أَنَّ السُّنَّةَ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ بِسُنَّتِهِ الْأَخِيرَةِ، حَتَّى يُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّ الشَّيْءَ يُنْسَخُ بِمِثْلِهِ. انْتَهَى. وَفِيهِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي " الرِّسَالَةِ " فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي تَأْخِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ صَلَاةَ النَّبِيِّ بِذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَنَّ سُنَّةً، [فَأَحْدَثَ اللَّهُ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>