نَعَمْ، وَلَكِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ بِاَللَّهِ، وَأَكْثَرُ أَدَبًا وَمُسَارَعَةً إلَى مَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَلَا يَبْقَى مَكَانُ إزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْ النَّاسِ، وَإِزَالَةِ عُذْرِهِمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ سُنَّةٌ تُخَالِفُ الْكِتَابَ إلَّا بَيَّنَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بَيَانًا صَرِيحًا بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ، حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ مَنْ فِي قَلْبِهِ رَيْبٌ بِأَحَدِهِمَا وَيَتْرُكَ الْآخَرَ. وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ إلَى الْإِفْصَاحِ بِهِ. وَقَدْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَنَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِهِ " النَّاسِخِ ".
فَقَالَ: وَقَدْ نَقَلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي " الرِّسَالَتَيْنِ "، فَذَكَرَ الْكَلَامَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ " مَنْعَ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لَا يَنْسَخُ السُّنَّةَ، وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ فِي سُنَّةٍ سَنَّهَا غَيْرَ مَا سَنَّ الرَّسُولُ لَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا غَيْرَ السُّنَّةِ الْأُولَى، حَتَّى تَنْسَخَ سُنَّتُهُ الْأَخِيرَةُ سُنَّتَهُ الْأُولَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْقَدِيمَةِ فِي مُنَاظَرَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ حِكَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ، فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَأَوَّلُ عَلَى سُنَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يُزْعَمُ أَنَّ الْكِتَابَ يُنْسَخُ بِسُنَّةٍ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْكِتَابِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذًا أَصَبْت. وَهَذَا قَوْلُنَا، فَكَيْفَ لَا نَقُولُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ " عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الرَّسُولِ لَا تُنْسَخُ إلَّا بِسُنَّةٍ، وَأَنَّ الْكِتَابَ لَا يَنْسَخُ السُّنَّةَ، وَلَا السُّنَّةُ تَنْسَخُ الْكِتَابَ، وَأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ فِيمَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ سُنَّةٌ إنَّمَا يَأْتِي أَمْرٌ ثَانٍ يَنْسَخُ سُنَّتَهُ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِنَسْخِهِ، وَسُنَّتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْبَيَانُ بِالنَّسْخِ، فَلَا يُوجَدُ لِرَسُولِ اللَّهِ سُنَّةٌ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ خِلَافُهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute