مِنْ الْأَحْدَاثِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، وَاقْتِبَاسُ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ: بَيَّنَ جِبْرِيلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنُ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ، وَإِنَّمَا جَاءَ مُبَيِّنًا لِلْأَوْقَاتِ، فَلَوْ كَانَ لَهَا وَقْتَانِ لَبَيَّنَهُ جِبْرِيلُ.
قَالَ: وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ لَمْ تَشْمَلْهُ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ ذِكْرٌ فِيهَا، كَمَا لَوْ أَتَى بِزَانٍ فَأَمَرَ بِالْجَلْدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ، وَالْعِدَّةَ وَنَحْوَهُمَا، فَذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَالُ بِهِ عَلَى الْبَيَانِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا سُكُوتُ الرَّاوِي، قَدْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَإِذَا سَاقَ الرَّاوِي قَضِيَّةً ظَهَرَ مِنْهَا أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِهَا بِالْحِكَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يُغَادِرُ مِنْ مَشَاهِيرِ أَحْكَامِهَا شَيْئًا كَمَا نَقَلَ الرَّاوِي قَضِيَّةَ مَاعِزٍ مِنْ مُفْتَتَحِهَا إلَى مُخْتَتَمِهَا، وَلَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ جَلَدَ، وَرُدَّ عَلَى هَذَا مِنْ ظَنِّ الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْجَلْدَ لَا يَتَشَوَّفُ إلَى نَقْلِهِ عِنْدَ نَقْلِ الرَّجْمِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَفَلٍ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَيُجَابُ بِأَنَّ سِيَاقَ الْقَضِيَّةِ وَاسْتِغْرَاقَهُ بِتَفَاصِيلِهَا بِالْحِكَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْجَلْدِ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ الْجَلْدِ، إذْ لَوْ جَرَى الْجَلْدُ لَنَقَلَهُ. وَمِنْهُ: حِكَايَةُ الْمَوَاقِعِ فِي الصُّوَرِ النَّادِرَةِ، وَالظَّنُّ بِالرَّاوِي أَنَّهُ إذَا نَقَلَ الْحَدِيثَ أَنْ يَنْقُلَ بِصُورَتِهَا إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ نَادِرَةً، فَإِذَا سَكَتَ عَنْهَا فَسُكُوتُهُ حُجَّةٌ.
مِثَالُهُ: مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقَادَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَوِّلِينَ: لَعَلَّ كَافِرًا قَتَلَ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى نُدُورٍ، وَتَشَوُّفِ الطِّبَاعِ إلَى نَقْلِ الْغَرَائِبِ، وَهَذَا حَسَنٌ. اهـ.
الثَّانِيَةُ: إذَا اسْتَبْشَرَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ قَوْلِهِ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ جَائِزًا حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحْسِنُ مَمْنُوعًا مِنْهُ. يَبْقَى أَنَّهُ هَلْ اسْتَحْسَنَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute