مُتَنَاقِضَانِ، وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوُجُودَ كَانَ مُسْتَحِيلًا، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْعَدَمَ كَانَ وَاجِبًا، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَإِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَانِ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ الْتِبَاسَ الْمَقْبُولَيْنِ بِالْقَبُولَيْنِ قُلْت: لَمْ يَنْفِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا الْمَقْبُولَيْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْحَدَّ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمَقْبُولَيْنِ، وَقِيلَ: مَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ يَرْجِعَانِ إلَى نِسْبَتَيْنِ وَإِضَافَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُمَا الْمُطَابَقَةُ فِي الصِّدْقِ، وَعَدَمُهَا فِي الْكَذِبِ، وَالْمُطَابَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ نِسْبَتَانِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَدْلُولِهِ، وَأَمَّا التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ فَيَرْجِعَانِ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُمَا، فَقَدْ يُوجَدُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ مَعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عِنْدَ مُوَافَقَةِ الْأَخْبَارِ لِلْوَاقِعِ وَبِدُونِهِمَا إنْ كَانَ كَذِبًا، فَقَدْ يَصْدُقُ وَلَيْسَ بِصَادِقٍ، وَيَكْذِبُ وَلَيْسَ بِكَاذِبٍ، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا الْحَدُّ سَلِمَ مِمَّا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي كُلِّ خَبَرٍ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى السَّكَّاكِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ صَاحِبَ هَذَا الْحَدِّ مَا زَادَ عَلَى أَنْ وَسَّعَ الدَّائِرَةَ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِهِ، فَلَوْ عُرِفَ بِهِمَا لَزِمَ الدَّوْرُ.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ نَوْعِيَّتِهِمَا، بَلْ هُمَا صِفَتَانِ عَارِضَتَانِ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ لِلْإِنْسَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute