للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ السَّبِيلَيْنِ: ذَكَرَ اللَّهُ الْأَحْدَاثَ فِي كِتَابِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] فَإِنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِنَا تَعَلَّقُوا بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ إلَى سُقُوطِ التَّكْلِيفِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا وَجَّهَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ إلَّا بِحَدَثٍ وَمَا لَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَدَثِ فَأَصْلُ الطُّهْرِ كَافٍ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا» وَمَنْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ: «وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ» فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ.

فَائِدَةٌ: ادَّعَى الشَّافِعِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى " وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ بِتَصْرِيحِهِمْ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي الْإِقْدَامِ إذْ ذَاكَ، إذْ لَا حُكْمَ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْإِجْمَاعُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَقْدَمَ بِلَا سَبَبٍ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحَرَجِ مَا إذَا أَقْدَمَ مُسْتَنِدًا إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ. وَقِيلَ: بَلْ الْمَنْفِيُّ فِي كَلَامِهِمْ هُوَ الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ حَقٌّ، إذْ الْغَرَضُ أَنْ لَا حُكْمَ فَلَا جَوَازَ، لَكِنَّهُ إذَا أَقْدَمَ فَلَا يُعَاقَبُ إذْ لَا حُكْمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>