قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نَعَمْ، هَاهُنَا أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ النَّظَرُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي مِنْهَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَصْرِيحِهِ فَهُوَ أَقْصَى الدَّرَجَاتِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِنَا بِحَالِهِ فِي الرِّوَايَةِ، وَنَظَرْنَا إلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ مَنْ عَرَفْنَاهُ إلَّا عَنْ عَدْلٍ، فَهَذَا دُونَ الدَّرَجَةِ الْأُولَى. وَهَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ عَمَّنْ لَا نَعْرِفُهُ؟ فِيهِ وَقْفَةٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ قَارَبَ زَمَانُنَا زَمَانَهُ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ. اهـ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ، وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: يُعْرَفُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ صَرِيحًا، أَوْ عَرَفْنَاهُ بِالْقَرَائِنِ الْكَاشِفَةِ عَنْ سِيرَتِهِ. قَالَ: وَجَرَتْ عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي التَّعْدِيلِ أَنْ يَقُولُوا: فُلَانٌ عَدْلٌ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، أَوْ الزُّهْرِيُّ، أَوْ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْمُوَطَّإِ، أَوْ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَتْ رِوَايَتُهُ تَعْدِيلًا، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ، فَإِنَّ مِنْ الْمُمْكِنِ رِوَايَتَهُ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُعْتَقَدْ عَدَالَتُهُ، حَتَّى إذَا اسْتَقْرَى أَحْوَالَهُ، وَعَرَفَ عَدَالَتَهُ بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يَظْهَرُ بِذَلِكَ عَدَالَةُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَتُهُ بِالرِّوَايَةِ عَمَّنْ عَدَّلَهُ، وَلَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ أَصْلًا، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْدِيلِ، فَلَا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالتَّعْدِيلِ لَمْ يُقْبَلْ، فَكَيْفَ إذَا رُوِيَ، وَإِنْ عَلِمْنَا مَذْهَبَهُ فِي التَّعْدِيلِ، وَلَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِنَا، لَمْ يُعْتَمَدْ تَعْدِيلُهُ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا عُمِلَ بِهِ. اهـ.
وَقِيلَ: الرِّوَايَةُ تَعْدِيلٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ غَيْرَ عَدْلٍ لَكَانَ رِوَايَتُهُ عَنْهُ مَعَ السُّكُوتِ عَبَثًا. وَظَاهِرُ الْعَدْلِ التَّقِيِّ الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ لَا يَعْلَمُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ، وَحَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، وَابْنُ فُورَكٍ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ فِي هَذَا، وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ عَلَى الْعَدَالَةِ، حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهَا، قَالَا: وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute