للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافٌ، مَنْشَؤُهُ أَنَّ الْمُعَدِّلَ وَالْمُجَرِّحَ هَلْ هُوَ مُخْبِرٌ فَيُصَدَّقُ، أَوْ حَاكِمٌ وَمُفْتٍ فَلَا يُقَلَّدُ؟ أَحَدُهَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ التَّعْدِيلِ كَثِيرَةٌ، فَيَشُقُّ ذِكْرُهَا، بِخِلَافِ الْجَرْحِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَالِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ، فَرُبَّمَا ذَكَرَ شَيْئًا لَا جَرْحَ فِيهِ، كَمَا حُكِيَ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: لِمَ تَرَكْت حَدِيثَ فُلَانٍ؟ قَالَ رَأَيْته يُرْكِضُ بِرْذَوْنًا، فَتَرَكْت حَدِيثَهُ. قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ حَكَى أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ بَعْضِ الْقُضَاةِ عَلَى رَجُلٍ يَجْرَحُ رَجُلًا فَسُئِلَ، فَقَالَ: رَأَيْته يَبُولُ قَائِمًا. فَقِيلَ لَهُ: فَمَا بَوْلُهُ قَائِمًا؟ قَالَ يَتَرَشْرَشُ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي. فَقِيلَ لَهُ: رَأَيْته بَالَ قَائِمًا يَتَرَشْرَشُ عَلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى؟ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَوَابٌ؛ وَلِأَنَّهُ بَالَ قَائِمًا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِهِ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. وَالثَّانِي: عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجَرْحِ مُبْطِلُ الثِّقَةِ، وَمُطْلَقَ التَّعْدِيلِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الثِّقَةُ لِتَسَارُعِ النَّاسِ إلَى الظَّاهِرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ السَّبَبِ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ "، وَإِلْكِيَا فِي " التَّلْوِيحِ "، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ "،

<<  <  ج: ص:  >  >>