وَذَكَرَ مَا أَهْمَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، أَمَّا عَمَلُهُ بِهِ، فَحَكَى الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ اعْتَلُّوا بِأَنَّ الرَّاوِيَ إذَا نَسِيَ الْخَبَرَ حَرُمَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ بِمُوجَبِهِ، فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُقَالُ لَهُمْ: مَنْ سَلَّمَ لَكُمْ هَذَا؟ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ، إذَا أَخْبَرَهُ الْعَدْلُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ رَوَاهُ. الثَّالِثُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إنْكَارِ لَفْظِ الْحَدِيثِ بِالْجُمْلَةِ، فَأَمَّا فِي اللَّفْظَةِ الزَّائِدَةِ فِيهِ إذَا قَالَ رَاوِيهِ: لَا أَحْفَظُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، أَوْ لَمْ أُحَدِّثْك بِهَا، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ "، وَجَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ أَصْلُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: إنَّهُ يَقْدَحُ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ: وَكَذَا نِسْيَانُ الْإِعْرَابِ. وَكَلَامُ ابْنِ فُورَكٍ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْخِلَافِ بِالْوَاحِدِ. فَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ إذَا نَسَبُوا ذَلِكَ كَانَ قَادِحًا قَطْعًا؛ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ.
الرَّابِعُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَجْزِمْ الْأَصْلُ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْفَرْعُ. فَإِنْ كَانَ الْفَرْعُ غَيْرَ جَازِمٍ بِأَنْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ " غَيْرَ ظَانٍّ لَهُ، لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ، وَإِنْ حَذَفَهُ الشَّيْخُ لِفَقْدِ شَرْطِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْجَزْمُ بِهَا أَوْ الظَّنُّ، فَإِنْ كَانَ ظَانًّا، وَالْأَصْلُ شَاكٌّ فِيهِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ. وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ ظَانًّا عَدَمَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. قَالَ: فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ. قَالَ: وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ قَوْلُ الْأَصْلِ مُعَادِلًا لِقَوْلِ الْفَرْعِ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ، وَمَهْمَا كَانَ الْفَرْعُ رَاجِحًا عَلَى قَوْلِ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْخِلَافِ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَقْبُولًا؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ لَمْ يُوجَدْ فِي مُقَابَلَتِهِ مَنْ يُعَارِضُهُ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute