للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ تَعَلُّقٌ بِمَا عَنْهُ صَدَرَ مَذْهَبُهُ، وَلِهَذَا طَرْدَنَا هَذَا الْكَلَامَ فِي أَمْرِ كُلِّ عَصْرٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِجْمَاعِ: إنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ لَا يُجْمِعُونَ فِي مَظْنُونٍ عَنْ مَسْلَكٍ إلَّا عَنْ ثَبْتٍ.

وَحَمَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إذْ قَالَ: التَّعْوِيلُ عَلَى الْخَبَرِ لَا عَلَى خِلَافِ الرَّاوِي عَلَى مَا لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الرَّاوِيَ كَانَ نَاسِيًا لِلْخَبَرِ، أَوْ لَمْ يَقْطَعْ بِأَنَّهُ قَصَدَ الْخِلَافَ عَنْ تَعَمُّدٍ، فَإِنَّ الْخَبَرَ مُقَدَّمٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَأَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْخَبَرَ بَلَغَهُمْ، وَلَكِنْ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ، فَلَا يَتْرُكُهُ لِشَيْءٍ تَرَدَّدَ فِيهِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ التَّرْجِيحِ هَذَا، وَقَالَ: إنْ لَمْ نَجِدْ فِي الْوَاقِعَةِ مُتَعَلَّقَا سِوَى الْخَبَرِ، وَقَوْلِ الرَّاوِي، وَهُوَ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَهُمَا عَلَى التَّنَاقُضِ فَيُتَمَسَّكُ بِالْخَبَرِ، وَإِنْ وَجَدْنَا مَسْلَكًا فِي الدَّلِيلِ سِوَى الْخَبَرِ، فَالتَّمَسُّكُ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْلَى. قَالَ: وَلَوْ صَحَّ الْخَبَرُ، وَعَمِلَ بِهِ قَوْمٌ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ قَوْمٌ، وَالْفَرِيقَانِ ذَاكِرَانِ لِلْخَبَرِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ حَيْثُ لَا احْتِمَالَ إلَّا النَّسْخَ، فَاَلَّذِي أَرَاهُ تَقْدِيمَ عَمَلِ الْمُخَالِفِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَ إلَّا عَنْ ثَبْتٍ.

وَيُحْمَلُ عَمَلُ الْعَامِلِينَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ الْعُرْفُ يَقْضِي بِأَنْ يَتَّبِعَ الْمُخَالِفُونَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِوَفَاءِ الْحَدِيثِ، وَكُلُّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَوْ انْعَقَدَ عَلَى مُخَالَفَةِ خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ إنْ تُصُوِّرَ ذَلِكَ، فَالتَّعَلُّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَيَتَطَرَّقُ إلَى الْخَبَرِ النَّسْخُ، فَحُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا، وَيَسْتَحِيلُ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمٍ مَعَ خَبَرٍ نَصَّ عَلَى مُنَاقَضَتِهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، فَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ. قَالَ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُنَاقَضَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَنْ يَلْهَجَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا.

قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَقَدْ بَنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>