فِي نَفْسِ التَّحْدِيثِ بِمَا فِي الْكِتَابِ، ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَعَلَّلَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ عِنَايَةَ الطَّلَبِ أَشَدُّ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ التِّلْمِيذُ كَانَتْ الْمُحَافَظَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَإِذَا قَرَأَ الْأُسْتَاذُ لَا تَكُونُ الْمُحَافَظَةُ إلَّا مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ أَوْ مِنْ كِتَابٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَيَصِحُّ تَحَمُّلُهُ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ اسْتِرْعَاءٍ أَوْ اتِّفَاقٍ أَوْ مُذَاكَرَةٍ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ أَعْمَى أَوْ أَصَمَّ، وَلَا يَصِحُّ السَّمَاعُ إنْ كَانَ الْمُتَحَمِّلُ أَصَمَّ، وَيَصِحُّ إنْ كَانَ أَعْمَى. قَالَا: فَإِنْ حَدَّثَ عَنْ حِفْظِهِ صَحَّ السَّمَاعُ إذَا وُثِقَ بِهِ، وَإِنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، فَإِنْ كَانَ أَعْمَى لَمْ تَصِحَّ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الْكُتُبَ قَدْ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا صَحَّ أَنْ يُرْوَى عَنْهُ كِتَابُهُ بِشَرْطَيْنِ: كَوْنُهُ وَاثِقًا بِهِ، وَذَاكِرًا لِوَقْتِ سَمَاعِهِ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَرْوِيَ إلَّا مِنْ حِفْظِهِ كَالشَّاهِدِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْكِتَابِ. قَالَ: فَقَدْ صَارَتْ الرِّوَايَةُ فِي عَصْرِنَا مِنْ الْكِتَابِ أَثْبَتَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِنْ الْحِفْظِ. انْتَهَى.
وَلِلسَّامِعِ أَنْ يَقُولَ: أَسْمَعَنِي، وَأَخْبَرَنِي، وَحَدَّثَنِي، وَأَسْمَعَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَحَدَّثَنَا، هَذَا إنْ قَصَدَ الشَّيْخُ إسْمَاعَهُ، إمَّا خَاصَّةً، أَوْ مَعَ جَمْعٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إلَّا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فُلَانًا، وَإِنَّمَا جَازَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِمُطَابَقَتِهَا لِمَا فِي مَعْنَى الْأَمْرِ. وَلِلْمُحَدِّثِينَ فِيهِ أَدَبٌ، يَقُولُونَ لِمَا سَمِعَهُ مَعَ غَيْرِهِ: حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَمَا سَمِعَهُ وَحْدَهُ أَخْبَرَنِي وَحَدَّثَنِي. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا أَدَبٌ لَا يَنْتَهِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute