حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» .
وَلَوْ شَرَطْنَا عِلْمَ الرَّاوِي بِمَعْنَى الْحَدِيثِ لَشَرَطْنَا مَعْرِفَةَ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، وَيُسَدُّ بِذَلِكَ بَابُ التَّحْدِيثِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَدَارُ الْأَخْبَارِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِذَا قُرِئَ بَيْنَ يَدَيْ الصَّبِيِّ وَالْأُمِّيِّ أَخْبَارٌ عَلَى شَيْخٍ، فَتَحَمَّلَهَا هَذَا السَّامِعُ، وَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، وَتُحُمِّلَتْ عَنْهُ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَاشْتِرَاطُ النَّظَرِ فِي النُّسْخَةِ، وَدِرَايَةُ الصَّبِيِّ يُضَيِّقُ الْبِطَانَ فِي الرِّوَايَةِ وَمِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي صِفَةِ تَحَمُّلِ الرِّوَايَةِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي صِفَةِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِجَوَازِ الْإِجَازَةِ وَالتَّعْوِيلِ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ الْمُجِيزُ غَيْرَ مُحِيطٍ بِجُمْلَةِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُجَازِ، وَقَدْ وَافَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الْعِلْمُ بِمَا يُقْرَأُ وَعَلَيْهِ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَالْمَازِرِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ ".
قَالَ الْمَازِرِيُّ: بِشَرْطِ كَوْنِ الشَّيْخِ عَالِمًا بِصِحَّةِ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ، غَيْرَ غَافِلٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَأَمَّا إذَا قَرَأَ مِنْ حِفْظِهِ وَأَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى ثِقَةٍ. وَقَدْ اجْتَازَ بَعْضُهُمْ لِلْحُفَّاظِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ كُتُبُهُمْ اسْتِظْهَارًا لِلثِّقَةِ وَاحْتِيَاطًا، فَإِنْ كَانَ لَا يُعَوِّلُ عَلَى حِفْظِهِ، وَإِنَّمَا يُعَوِّلُ عَلَى كِتَابِهِ نُظِرَ، فَإِنْ تَحَقَّقَ سَمَاعُ جَمِيعِ مَا فِي كِتَابِهِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ عُلِمَ سَمَاعُهُ وَلَكِنْ نَسِيَ مِمَّنْ سَمِعَهُ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِيهِ خِلَافًا فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ لِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْوِي رِوَايَةً مَعْمُولًا بِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ الْكِتَابَ مَعَ عَدَالَتِهِ وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى ظَنٍّ وَتَخْمِينٍ وَكَذِبٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْصَى فِي رِسَالَتِهِ بِقَبُولِ مِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يُحَدِّثُ الْمُحَدِّثُ مِنْ كِتَابِهِ، حَتَّى يَكُونَ حَافِظًا لِمَا فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute